احمد ذيبان
أنا من المنحازين للقطاع الزراعي وأشعر بهموم المزارعين ، ربما بحكم أنني إبن بيئة زراعية وأعرف «البير وغطاه « وكتبت في هذا المجال تحقيقات ومقالات وأخبار، الى درجة الملل على مدار 30 عاما ، وبقيت المشكلات تتكرر ، وأرى أن حملة «مقاطعة البيض» ،التي أطلقتها جمعية حماية المستهلك ونشطاء الفيسبوك، تعكس تعقيدات هذا القطاع ، فمن حيث المبدأ فان مقاطعة السلع ، احتجاجا على رفع الأسعار أو مكافحة الاحتكار، يعتبر سلاحا فعالا ومشروعا ، بيد المستهلكين للدفاع عن مصالحهم، بل أن المقاطعة تستخدم أيضا كسلاح سياسي ، مثل الحملات التي أطلقت في الدول الاوروبية لمقاطعة انتاج المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة. ومن المشروع أيضا مقاطعة المنتج المستورد ، اذا كان يلحق الضرر بالانتاج المحلي .
أما بالنسبة لحملة «مقاطعة البيض» ، فهو أولا انتاج محلي، ويشكل جزءا أساسيا من القطاع الزراعي الذي يواجه مشكلات مزمنة ، ترتبط بالتسويق وكلف الانتاج والعمالة ، والفترة التي ترتفع فيها أسعار المنتجات الزراعية التي «يسترد فيها المزارع أنفاسه» محدودة مرتبطة بشح المعروض، أما في مواسم فائض الانتاج فإن الاسعار تنزل الى الحضيض، ويرتفع صراخ المزارعين جراء الخسائر التي يتكبدونها ، سسواء تعلق الامر بالبيض أوالمنتجات الأخرى ، وفي مواسم عديدة يضطر المزارعون في الأغوار، الى رمي انتاجهم في الشوارع احتجاجا على انخفاض الاسعار، حيث أن مجرد أرسال المحصول الى السوق، يشكل خسارة إضافية تضاف الى كلفة الانتاج وأذكر أن مصنع رب البندورة في الاغوار الوسطى ، كان يستوعب كميات كبيرة من فائض الانتاج، لكنه ذهب مع» رياح الخصخصة «، والمستثمر الذي اشتراه حوله الى نمط آخر .. وبالنتيجة خسره القطاع الزراعي .
ولسوء الطالع فإن الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والظروف الاقليمية الملتهبة، تزيد صعوبات القطاع الزراعي ، خاصة إغلاق أبواب التصدير الى سوريا والعراق ، وشكوى المستهلك من ارتفاع السلع والخدمات لا تنحصر بالبيض، ويتكرر ذلك بالنسبة لبقية المنتوجات من الخضار والفواكه ، والمفارقة أن من حق المزارع أن يبيع انتاجه بأسعار مناسبة تغطي نفقاته وأتعابه، ومن حق المستهلك الحصول على احتياجاته بأسعار تناسب إمكانياته ، ويجدر ملاحظة أن المستهلكين عموما بمن فيهم المزارعون ، يتعرضون لوابل من ارتفاعات الاسعار والضرائب ، تطال غالبية السلع والخدمات ، والقادم أصعب ستبدأ تباشره اوائل شباط برفع جديد لاسعار المحروقات.
في الحديث عن القطاع الزراعي ، لفتني خبر عن» مهرجان الخبيزة» الذي ينضوي تحت فكرة»عيد الخبيزة» لصاحبها الناشط في هذا المجال» محمد عطية» ، الذي يسعى لترسيخ ثقافة العودة الى الطبيعة، حيث سينظم المهرجان في الشونة الجنوبية بين «14 و 21 « شباط المقبل ، وهي مبادرة طيبة تستحق التشجيع، واقترح توسيعها تحت شعار «العودة الى الطبيعة « لتشمل أصنافا أخرى مثل «الفرحينة « أو باللهجة المدنية «البئلة» ، و«الحمدا قاوق» و«الزعتر» ، والعديد من النباتات الطبيعية ، التي تنمو في منطقة الأغوار والمرتفعات الجبلية ، بشكل طبيعي ودون حاجة الى رعاية الانسان، وفي ذاكرتي العديد من النباتات التي كنا نجمعها ونستمتع بأكلها « نية « ، في مرحلة الطفولة مثل «الشليويا « و»الجليثون» و»الخرفيش « و» الدريهمة» و» القصيقصة « ، وهذه كانت بمثابة «مكسرات» بالنسبة لنا ، ولكثرة ما أصابتنا تخمة من تناول هذه المنتجات الطبيعية ،وخاصة «الزيت والزعتر» وجبة الافطار الدائمة، خلال العقدين الاولين من العمر،اشترطت على زوجتى ، أن لا تقدم لي هذه «الوجبة «.
ليس مهما البحث في «تاريخ الخبيزة « ، أو القول أنها معروفة منذ الحضارة الاغريقية والفرعونية والرومانية قبل آلاف السنين ،وبالتأكيد أن لها منافع صحية، ومن المستحب عدم المبالغة بالقول أنها تصلح علاجا ومسكنا لعشرات الأمراض ! لكن الحقيقة أنها أكلة شعبية لذيذة، تحضر مع البصل وقد تناولتها قبل أيام ، لكن الأخ عطية، يبشرنا بأن هناك « 30» نوعا من الأطعمة يمكن تحضيرها من الخبيزة، وسيتم عرضها والتعريف بها من خلال المهرجان. والأكثر من ذلك فهو يعد بأن تكون الخبيزة، وسيلة لتشغيل أيدي عاملة من الفتيات في المنطقة .
[email protected]