كتاب

بعد «منصة» أستانا.. قبل «مؤتمر» جنيف!

مرحلة ما بعد منصة استانا، تبدو ضبابية, رغم الجدل الذي رافق انعقاد لقاءات استانا... قبلها وخلالها. إن لجهة التراشق الاعلامي الذي بدأه رئيس وفد الفصائل المسلحة محمد علوش، الذي يبدو انه نسخة اخرى–ربما اكثر رداءة – من رياض حجاب واسعد الزعبي, وبخاصة في شأن انعدام القدرة على العمل السياسي والدبلوماسي والتزام اللياقات والأعراف التي تواضعت عليها الامم، أم لجهة العيش الدائم في حال الإنكار ورفض الاعتراف بالحقائق الميدانية, وفقدان الارادة في استخلاص الدروس والعبر، بعد مرور ست سنوات على الازمة السورية, وانكشاف الحرب الاقليمية والدولية على سوريا ومن دماء شعبها وعمرانها, وتراجُع الذين بذلوا الوعود والاموال وعقدوا صفقات السلاح, من اجل مواصلة تدمير سوريا وتشريد شعبها، عن «التزاماتهم» التي اوصلتهم الآن الى العزلة التي يعيشون فيها, بعد ان تبيّن للجميع, ان الضامنين «الثلاثة» هم اصحاب الاوراق «الحقيقية» ذات الرصيد الميداني, وامتلاك القوة والقدرة على تحديد مَن يجلس على الطاولة, ومَن «ممنوع» عليه الاقتراب منها.

هنا والآن... تحضر عنتريات محمد علوش, الذي لم يستفد من تجربة هيئة التفاوض التي استقال منها (او أُقيل) وكيف «رَكِب» حجاب والزعبي رأسيهما, وواصلا رفع سقف الشروط والتوقعات, بدءا من احتكار تمثيل المعارضة, واعتبار «هيئتهما» الممثل الشرعي والوحيد للمعارضات السورية, امّا غيرهم فهم اصفار في اللعبة او انهم في افضل الأحوال, عملاء للنظام يأتمرون بأمره ويُنفذون طلباته, وليس انتهاءً بالمطالبة برحيل الاسد, باعتبار ان «لا» دور له في سوريا, لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها.

علوش في استانا لم يخرج عن «سِكّة» الهيئة, بدا وكأن قواته على ابواب دمشق ولم يعد امام النظام سوى الاستسلام او الالتزام الكامل بالهدنة ووقف اطلاق النار, وإلا فان الفصائل التي يمثلها ستعود الى ميادين القتال وتقلب الطاولة على الجميع.

شيء من مطالبه لم يتحقق بالطبع, وصدر بيان استانا بتوقيع «الثلاثي» الضامن بمن فيهم «ايران»، التي يرفض علوش اي دور لها في «التسوية» السورية, ولأن مَن يقفون خلف علوش والفصائل التي حضرت مباحثات استانا, يُوفِّرون له «نصائح» سياسية, ويوهمونه انه كلما واصل تشدّده فإن محاولات تحسين موقعه التفاوضي... ستنجح، فإن الرجل – وهو يعيش اوهامه – حاول «مغازلة» روسيا, التي كانت مُصنَّفة في قاموس الجماعات المسلحة بانها دولة «مُحتلَّة» وانها طرف في الازمة لا وسيطاً،فإنه (علوش) حاول تملّق موسكووالايحاء بانها باتت «مُحايِدة» او اقرب الى ذلك، وانها «تبتعد» تدريجيا عن النظام وايران, وانها «تُصغي» الى مطالب المعارضة, بل سرّب علوش وجماعته بان موسكو «وعدتهم» بأن يتم»فوراً» إطلاق سراح «كل» النساء المعتقلات, اللواتي يدّعي المسلحون انهن في سجون النظام.

في انتظار ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات, وخصوصا في شأن التزام الاطراف المعنية بالوقف التام لاطلاق النار, وما هي الآليات التي ستُعلَن من اجل تثبيت الهدنة وكيفية مراقبة الالتزام بها اوإنتهاكها، فان ما بدأ يطفو على السطح وبخاصة في العلاقات المتدهورة بين الفصائل والجماعات الارهابية في ادلب وبعض ريف حلب، يشي بان مرحلة من «التصفيات» قد بدأت ولن تتوقف عند اغتيال القادة والكوادر كما حدث ويحدث منذ تحرير حلب والهزيمة المدوية التي لحقت بالارهابيين, وانما ستطال الفصائل والجماعات ذاتها, حيث تسعى جبهة فتح الشام/النصرة، لابتلاع الكثير منها او إخراجها من دائرة التأثير, الامر الذي سيُفضي الى المزيد من تشرذم هذه الجماعات وربما نكوص بعضها عن الالتزام ببيان استانا, في ظل اتهامات من فتح الشام واحرار الشام(لا تنسوا داعش) للفصائل التي شاركت في استانا بانها «وقعّت» على بنود «سريّة»، يعتقد «الفصيلان» انها تنطوي على تعهد من هذه الفصائل بشن هجمات «مشتركة» مع الجيش السوري.. ضدهما.

ولأن دمشق قرّرت واعلنت على لسان رئيس وفدها في لقاء استانا, ان العمليات العسكرية في وادي بردى «لن» تتوقف, حتى يتم تأمين مياه الشرب لدمشق وضواحيها، فان من السابق لاوانه التكهن بالكيفية او ردود الفعل التي ستبديها انقرة وموسكو ازاء هذا الاعلان, علما ان تركيا تُراهن على استمرار او تصاعد «التوتر» في علاقات موسكو بطهران, حيث الاخيرة لا تتوقف عن توجيه انتقادات وان كانت غير لاذعة او مُعلَنة لروسيا, الا انها تعكس قلقا ايرانيا، لما تراه ان موسكو «تتساهل» في موقفها مع الجماعات المسلحة.

الرهان على توتر متصاعد بين موسكو وطهران، لصالح «تحالف» ولو غير متين بين موسكو وانقرة، نحسبه رهانا خاسرا, لان موسكو التي اصابت نجاحا كبيرا في استمالة اردوغان وإجباره على استدارات لم تكن مُتوقِّعة، تعلم وتدرك بيقين, ان تركيا لم تحسم خياراتها بعد, وانها تُناوِر وتتذاكى, وان اردوغان يأمل بان يجد عونا «ما» من ترامب وادارته, لهذا نحسب ان الطريق الى جنيف في الثامن او التاسع من شباط القريب,ستكون غير مُعبَّدة تماما, وربما اكثر صعوبة مما يعتقد كثير من المتفائلين.

kharroub@jpf.com.jo