كتاب

نتنياهو.. يستقيل أولاً أم يُسْجَن؟

يبدو أن المستقبل السياسي لبنيامين نتنياهو قد انتهى، رغم كل محاولاته والمستشار القانوني للحكومة مناحيم مندلبليت الذي يقف الى جانبه, وإن بحذر شديد, بعد ان تلكّأ كثيرا في إصدار الامر ببدء التحقيق معه, حول ملفين أُطلِق عليهما اسم ملف 1000 وملف 2000، وبخاصة ان مندلبليت مدين بوجوده في موقعه الرفيع هذا, لنتنياهو شخصياً الذي (أرسَله) الى هذا المنصب, بعد ان كان سكرتيرا عاما لحكومة نتنياهو في فترة سابقة.

نقول: رغم محاولات نتنياهو والمستشار القضائي لحكومته, المماطلة في اجراء التحقيقات الى ان وصلت الى مرحلة يصعب السكوت عليها, وبعد المناورات العديدة التي لجأ اليها مندلبليت وبخاصة في اختراعه لوصف جديد لم يجر حتى الان في تاريخ القضاء الصهيوني, وهو الامر «بفحص» ما اذا كانت هناك شبهة جنائية في التُهّم التي بدأت تتناسل في قضايا تورط فيها نتنياهو وعائلته, مثل الإستفادة من سفريات سياحية مجانيّة واموال أغدقها عليه «اصدقاء» اثرياء, له فضلا عن الكشف انه تم تزويده بانواع فاخرة من السيجار والشمبانيا (السيجار يصل مبلغ خمسة آلاف دولار شهريا, والشمبانيا الفاخرة لعقيلته سارة) ما اضطر المستشار القضائي الى الاستجابة لطلب الشرطة اجراء تحقيق مع رئيس الوزراء في «مكتبه» «تحت التحذير», وهي درجة عالية من الإتهام تقول بان الرجل الذي يخضع للتحقيق تحت التحذير «ممنوع» من الحديث عن مجرى التحقيق او الاتصال بأحد حول المسألة او المسائل التي يجري التحقيق معه حولها، لكن نتنياهو الذي يبدو ان دفاعاته اخذت بالتهاوي, دأب على القول: ان لا شيء من الاتهامات صحيح, لأن لا شيء هناك اصلا.

المفاجأة الكبرى والصاعقة, كانت في «تسريب» شريط مُسجّل قام بتسجيله مستشاره الامني حول حديث جرى بين ارنون (نوني) موزيس ناشر الصحيفة الاولى في اسرائيل «يديعوت احرونوت», ونتنياهو قبل الانتخابات الاخيرة التي جرت قبل عامين تقريبا، يتعهد فيها موزيس بالإصطفاف الى جانب نتنياهو/الليكود(هي صحيفة معروفة بمناصبتها العِداء له) وتغيير نهجها التحريري, حدّ قبول موزيس بتوظيف صحافيين من قبل نتنياهو في الصحيفة, فيما يقوم نتنياهو بسن تشريع يُجبِر الصحيفة التي انشأها من اجله صديقه صاحب نوادي القمار اليهودي الاميركي شيلدون ادلسون, وهي «اسرائيل اليوم» بان لا يتم توزيعها «مجانا» كما هي حالها منذ سبع سنوات, بل يتم بيعها في الاكشاك، الامر الذي كان اثّر في توزيع «يديعوت احرونوت» التي كانت قد تصدرت الصحف الاسرائيلية منذ عقود طويلة (أُنشِئت في العام 1940).

لم يعد امام نتنياهو وانصاره, سوى الإتكاء على نظرية المؤامرة, الامر الذي عكس ضجّة في الشارعين السياسي/الحزبي والاعلامي الاسرائيليين, الى ان تم اضافة «فضيحة» اخرى بُثّت يوم اول من امس, وهي ان نتنياهو في المحادثة مع ناشر «يديعوت احرونوت», «تعهّد» بان «يجلب» رجال اعمال «اجانب» كي «يشتروا» الصحيفة العريقة التي خشي ناشرها ان يتأثر توزيعها لاحقا بعد فضيحة «الشريط المُسرّب», وتعهد نتنياهو ايضا بتجنيد عدد كاف من اعضاء الكنيست لتمرير الصفقة رغم مخالفتها القانون، كون القانون الاسرائيلي, لا يسمح لأي «اجنبي» لا يحمل الجنسية الاسرائيلية بِتمَلُّك اي وسيلة اعلامية.

الإطالة في شرح هذه القضية الاسرائيلية الداخلية البحتة, مقصودة بذاتها ولذاتها، حتى تتم الإضاءة على الكيفية التي تُدار بها المسائل والملفات والمواقف القانونية, وحدود السلطة لدى المسؤولين المُنتخَبين, وكيف يكون هناك فعلاً, لا مجرد اقوال, فصل حقيقي بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وكيف هي ايضا القوة والحرِّية التي تتوفر عليها وسائل الاعلام في الدول التي يجب علينا الاعتراف بانها ذات تقاليد ديمقراطية, رغم كل بشاعة وإجرام وعنصرية واستعمارية وفاشيّة العدو الصهيوني, في تعاطيه مع المسألة الفلسطينية وعلاقاتِه مع المحيط العربي.

نتنياهو الآن.. امام ساعة الحقيقة, ولم يعد السؤال – رغم تبجح نتنياهو وانصاره – ما اذا كان سيبقى في منصبه وعلى رأس الليكود وهو الذي عاش في فقاعة كبيرة بان «لا احد» في اسرائيل قادر على منافسته, رغم انه الان في ولايته الرابعة كأكثر رئيس وزراء شغل هذا المنصب بعد ديفيد بن غوريون؟ بل هل يستقيل نتنياهو تحت وطأة الاتهامات الثقيلة التي يرزح تحتها؟ ام انه سيهرب الى الامام ويدعو الى انتخابات مُبكِرة كي يؤجل الملفات التي تثقل كاهله؟ ام ان الامور ستنتهي به الى ما انتهى اليه ايهود اولمرت بعد قضايا الفساد والرشى التي ادخلته السجن الذي يقبع فيه الآن؟ ام سيناريو قيام ائتلاف حكومي جديد، بدون نتنياهو... رئيساً له؟

من المبكِّر التكهن بأي من السيناريوهات الأربعة سيكون هو «الأرجح»، لأن الامر منوط بالمستشار القضائي للحكومة، الذي هو الان ايضا في وضع لا يُحسد عليه، فهو من جهة مضطر للاستجابة للضغوط الهائلة التي تمارسها أحزاب المُعارَضة،ووسائل الاعلام, ومن جهة اخرى لا يريد توجيه «طعنة» لـِ»وليّ نعمته» الذي اوصله الى منصبه الرفيع.. ليس دون مقابل بالتأكيد؟.

لا مستقبل سياسياً لنتنياهو, لكن السؤال: كيف هي النهاية... السجن أم الذهاب الى عار العزلة السياسية والشخصية؟.

الجواب لن يتأخر كثيراً.

kharroub@jpf.com.jo