احمد ذيبان
أدخلت ثورة التكنولوجيا الرقمية الى العلاقات بين الدول، وداخل المجتمعات .. مؤسسات وأفرادا ، عنصرا جديدا في التجسس وتصفية الحسابات ، لكن أكثر عمليات القرصنة الالكترونية إثارة للاستغراب ،تلك المتعلقة بالمواجهة المشتعلة بين واشنطن وموسكو ، بشأن اتهام ادارة أوباما المغادرة للرئيس الروسي بوتين ، بإدارة عملية التجسس على الانتخابات الرئاسية الاميركية ، من خلال عمليات قرصنة الكترونية ، بهدف إسقاط المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لصالح منافسها دونالد ترامب ، وجاء فوز الأخير ليعزز الاتهامات الاميركية، وبلغت هذه المواجهة ذروتها مؤخرا ، بطرد واشنطن «35 « دبلوماسيا روسيا والتلويح بفرض المزيد من العقوبات .
صراع المصالح والنفوذ بين الدول خاصة الكبرى ، يتضمن حبك المؤامرات والقيام بالتجسس ، وبين ذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية للقرصنة واختراق الحسابات الحساسة ، وفي هذا السياق يمكن إدراج مناقشة الاتهامات الاميركية لموسكو، لكن ما يبدو عسيرا على الفهم ، أن واشنطن تتهم موسكو بالقرصنة لإسقاط كلينتون وإنجاح .
وبغض النظر عن طروحات ترامب وشعاراته الانتخابية ، وما نسب اليه من تصريحات حول اعجابه بالرئيس بوتين ،فذلك لا يعني أنه سيكون دمية بيد بوتين أو «جاسوس» للكرملين ، بينما كلينتون تشكل خصما لروسيا وهل يعقل أن فرضية القرصنة الروسية ، رجحت فوز ترامب رئسيا لدولة بحجم الولايات المتحدة .. أليس ذلك استخفافا بعقول الناس ؟
ومع افتراض صحة الاتهامات الاميركية ، بأن موسكو تدخلت لصالح ترامب لأنه «صديق» بوتين ومعجب بشخصيته هل يعقل أن رئيس الولايات المتحدة أيا كانت شخصيته وتوجهاته ، يمكن أن يكون دمية يتم تحريكها بالريموت من الكرملين ؟ هذا استهتار بوعي الناس ، فأميركا دولة لا يقرر سياستها الرئيس لوحده ، فهناك مؤسسات وكونغرس وسلطة الاعلام وقوى الضغط ، تلعب دورا رئيسيا في صناعة السياسات واتخاذ القرارات، وحتى لو كان الرئيس « مهووسا « فإن المؤسسات كفيلة بكبحه .
تختلف الادارات الاميركية «الجمهورية والديمقراطية «، في رؤيتها لكيفية ادارة القضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية ،لكن أيا كان انتماء الرئيس ، من البدهي أن يلتزم باستراتيجية سياسية خارجية راسخة ، تحافظ على المصالح الاميركية ، وتعزيز نفوذ وهيمنة وهيبة الدولة الأقوى.
وحكاية إعجاب ترامب بشخصية بوتين ، تبدو لي أقرب الى السذاجة السياسية ، فالجوانب الشخصية أن وجدت ، لا تقرر سياسات الدول وتوجه مصالحها ، ثم أن ترامب ينتمي الى اليمين المتطرف ، وهذا التيار يتبنى سياسات وايدولوجيا متشددة ضد «روسيا قوية «، ويؤيد توسيع الهيمنة الاميركية الهيمنة التي لا تقبل المنافسة في العالم ، أما كلينتون فهي مرشحة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له الرئيس المنتهية ولايته أوباما ، الذي دعم كلينتون ، ولو قدر لها الفوز لكانت قد واصلت السياسات التي انتهجها أوباما خلال السنوات الثماني الماضية ، وكانت «فترة ذهبية « بالنسبة لروسيا للتمدد ، وتعزيز حضورها في السياسة الدولية، والتدخل المباشر بقوة في العديد الملفات الساخنة، بينما اتسمت سياسة أوباما بالتخاذل والضعف ، كما بدا ذلك بوضوح في موقفها إزاء المسألة السورية ، قابل ذلك تدخل عسكري روسي مباشر لحماية نظام الاسد، وارتكاب جرائم مروعة بحق الشعب السوري .
فوز ترامب كان مفاجأة كبرى، وربما صادمة لمعسكر هيلاري والحزب الديمقراطي ،وشرائح واسعة من الرأي العام، حيث كانت جميع التوقعات والاستطلاعات وتوجهات وسائل الاعلام ترجح فوز كلينتون ،وعقب إعلان النتائج بدأت ادارة أوباما والاستخبارات الاميركية، عمليات تحقيق وتحليل وتفسير لما حدث ، وتسربت حكاية القرصنة الروسية على معلومات الحزب وحملة كلينتون ، وكانت ذريعة سهلة لتبرير الفشل ومن خلفه النكسات والاحباطات التي أصابت سياسة أوباما .
ومن هنا يمكن فهم تصعيد التوتر بين واشنطن وموسكو، في الاسابيع الاخيرة من ولاية اوباما، ووضع قنبلة سياسية ،أمام ترامب عشية تسلمه سلطاته الدستورية ، لكي تكون في صدارة أولوياته ،للدفاع عن هيبة أميركا وسيادتها ،وإفساد المزاعم عن «علاقة ودية» بين ترامب وبوتين .
[email protected]