قد يكون قرار مجلس الامن الاخير الذي حمل الرقم 2328 أكثر وربما أهم قرار كشف عن طبيعة العلاقات الهشة التي تربط بين دائمي العضوية الخمسة، وانعدام قدرة هؤلاء على ايجاد مساحة مشتركة لحل الازمات التي تعصف بمناطق عديدة في العالم, وخصوصاً تلك القضايا التي تتعارض ومصالحهم او قراءاتهم الاستراتيجية, لمآلات – وربما اسباب – هذه الازمات على النحو الذي نشهده في مناقشات واجتماعات وقرارات مجلس الامن, سواء في ما خص الازمة السورية، اما تلك الاوكرانية فضلا عما يجري في ليبيا والعراق واليمن, وامتدادا لبحر الصين الجنوبي، دون اهمال دور المنظمات الاقليمية والدولية ذات الصلة بهذه الازمات, ويبرز هنا دور حلف شمال الاطلسي بما هو الذراع العسكري «الأقوى» سعيها لمحاصرة روسيا وتطويقها بالدرع الصاروخية وكتائب الجنود الاطالسة المقيمين على مبعدة كيلومترات معدودة من الحدود الروسية، ودائماً في المناورات العسكرية البرِّية والبحرية والجوية التي تجري قريباً من الأراضي والأجواء والمياه الاقليمية الروسية.
ما علينا..
تصويت اعضاء مجلس الامن بالاجماع على تمرير القرار 2328 الداعي لإرسال مراقبين الى شرقي حلب، بعد ان تأكد الفرنسيون ان مشروع قرارهم لن يمر بعد تهديد المندوب الروسي باستخدام الفيتو, ادى الى إنضاج ظروف ملائمة للقرار سالف الذكر, والذي يبدو انه فارغ المضمون ولم يأتِ إلاّ نتيجة اصرار باريس وواشنطن ولندن على مجرد اصداره حفظا لماء الوجه, خصوصا ان عملية خروج الارهابيين وعائلاتهم توشك على الانتهاء, وبالتالي تنعدم الاهمية او الحاجة لوجود مراقبين ينص القرار على ان «يُهيء الامين العام للامم المتحدة ظروفا ملائمة بما في ذلك إجراء (مشاورات مع الاطراف المعنِيّة) لضمان مراقبة ممثلين عن الامم المتحدة والمنظمات الدولية, حالة المدنيين والمراعاة التامة للقانون الإنساني الدولي في المناطق الشرقية من مدينة حلب».
اي..إجراء مشاورات مع الحكومة السورية التي تقول على لسان مندوبها في الأمم المتحدة: أن عملية ترحيل المسلحين وعائلاتهم ستكون قد انتهت خلال يومين.
لكن ما هي الصلة بين القرار 2328 والعودة الى طاولة المفاوضات؟
..لافت تصريح المبعوث الأممي الخاص الى سوريا دي ميستورا بان «المفاوضات بين الاطراف السورية ستستُأنف في الثامن من شباط المقبل في جنيف. ولم ينس في معرض اعلانه المفاجئ هذا «الإشادة» باعتماد مجلس الامن قراراً بشأن حلب. هنا يثور السؤال عن الاسباب التي دفعت به الى اعلان هذا الموعد؟ رغم علم الجميع بان مرحلة ما بعد تحرير حلب وعودتها الى كنف الدولة السورية ليس ما قبله, وان «خريطة» قوى المعارضة السورية قد «تخربطت» واصابها التصدع والخلل، ما يعني ان الرهان الآن على مَنْ مِنْ هؤلاء بمقدوره الزعم انه يمثل «المعارضة» وعلى أي اسس سيتم اعتماده؟ والكيفية التي سيتصرف بها المبعوث الخاص في شأن مشاركة تشكيلات اخرى من المعارضة؟ كانت الهيئة التفاوضية المنبثِقة عن مؤتمر الرياض, قد «احتكرت» لنفسها مقعد المعارضة, وظنت نفسها – ربما حتى الان – أنها الممثل الشرعي الوحيد للمعارضات السورية, إلى ان ادّى قرارها الذي اتّسم بالنزق والمراهقة السياسية,الى الانسحاب من المفاوضات بنسختها الثانية, الى العزلة والإفلاس التي تعاني منهما الآن؟
ثمة ما يلفت الانتباه ايضا، هو ان اعلان دي ميستورا جاء مباشرة بعد اعلان الرئيس بوتين عن اجراء المفاوضات بين دمشق والمعارضة السورية في عاصمة كازاخستان.. استانة، دَعَمَه في ذلك اردوغان والرئيس الكازاخي، ما اثار – في ما يبدو – الهلع والشكوك لدى العواصم الغربية بامكانية استبعادها عن اجواء المفاوضات فدفعت (ربما) دي ميستورا الى اصدار «بيانه» المفاجئ والذي لم يلق, حتى الان, اي اصداء ايجابية كانت ام سلبية، ما يجعله عرضة للتجاذبات في مقبل الايام.
واذ جاء اعلان دي ميستورا قبيل انعقاد «المؤتمر الثلاثي» في موسكو الذي يضم وزراء خارجية ودفاع روسيا، ايران وتركيا الذي التأم يوم امس, فان ما صدر من تصريحات عن الوزيرين الروسي والتركي تشي بصحة الاعتقاد ان دي ميستورا لم ينطق بما نطق به, الا بايعاز غربي. «سننخرط في مفاوضات مُفصّلة ومحددة مع (القادرين) على تحسين الوضع في سوريا». قال سيرغي لافروف،مُضيفاً: «الدول الغربية غالبا ما تُمارِس الخطابة والدعاية في ما يتعلق بسوريا، لذا.. لا فائدة من التعاون معها»..
الرسالة الروسية واضحة جدا، لكن نظيره التركي جاويش اوغلو من جِهته, عَزَفَ على وتر آخر: «.. من الضروري حضور المعارضة (الحقيقية والمُؤثِّرة) في اي مفاوضات مقبلة»، وفي ذلك رسالة تركية اخرى تؤشر الى الدور الذي ستلعبه انقرة, بعد ان «خسرت» معركة حلب او انها «باعت» وخذلت «الثورة السورية» كما يتهمها كثيرون في المعارضة والمتعاطفين معها.. التي يقول اركانها ايضا «.. فرصة نجاح مفاوضات كازاخستان بالنجاح، لن تُنضِج اي حل، اذا غابت المعارضة الرئيسية المتمثلة في الهيئة العليا للمفاوضات والفصائل العسكرية الفاعلة على الارض.. عنها».
هذا يعني ان «المعركة»السياسية والدبلوماسية المقبلة, ستكون اكثر شراسة وصعوبة مما ظن رياض حجاب واسعد الزعبي ورهطهما.. ما يعني ايضا ان ما سيصدر عن مؤتمر موسكو الثلاثي من قرارات, سيكون مؤشرا على «الوجهة» الذي ستتجه اليها الامور, بعد هزيمة الارهابيين وداعميهم في حلب,التي ما تزال اصداؤها وتداعياتها تتردد في أرجاء المعمورة.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة