لم تُسفر الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الرياض، والتي كانت مخصصة لبحث الحرب اليمنية، من خلال ما يعرف باللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا اضافة الى السعودية وسلطنة عُمان عن نتيجة تُذكر، ولم تمنَح اي ريح إسناد لإخراج الحال المتدهورة والمتفاقمة في اليمن من راهنها المأسوي الذي ينذر بمزيد من المواجهات التي لا تنتهي, رغم أنها توشك على اتمام عامها الثاني, دون ان تلوح في الافق اي بوادر عن امكانية إحداث اختراق حقيقي في جدار الازمة, حيث يُصرّ طرفا الازمة على مواقفهما, ويتخندق كل منهما في خندق القوى المساندة والداعمة، وبخاصة بعد ان أفشَل فريق الرئيس الذي يُصرّ على وصف نفسه بالرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي، «خريطة الطريق» التي طرحها المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ, والتي نالت موافقة تحالف انصار الله/المؤتمر، او ما بات يوصف بتحالف الحوثي/صالح، الامر الذي وضع هادي وفريقه في مأزق كبير, وخصوصا ان رفْضَه «الخريطة», ترافق مع محاولات إذلال المبعوث الدولي ورفضِ استقباله احيانا, ثم عندما رضَخَ واستقبله؟’, فانه امتنع عن تسلّم «نص الخريطة» معتمدا في ذلك على تسريبات صحافية او استخبارية قالت - ضمن امور اخرى - ان الخريطة تنهض على حل شامل, يبدأ في الاساس بسحب صلاحيات هادي نفسه وتسليمها الى «نائب» للرئيس, ليس هو نائبه الحالي علي محسن الاحمر الذي سيغادِر موقعه «المفتعَل « سياسياً, الى غير رجعة والى غير دور ايضا، بل نائب جديد يتم التوافق عليه, ليُصار لاحقا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية, ثم يتم بحث باقي الملفات والقضايا ذات الصلة بتطبيع الاوضاع والتوافق على صيغة جديدة, لا تُقصي احدا وتضع حدا للحرب العبثية الدائرة الآن, وتحدِّد علاقات اليمن الجديد بمحيطه وخصوصا مع السعودية, وفق اسس واضحة و متفق عليها.
جون كيري، الذي هبط في الرياض وناقش الازمة اليمنية مع «الرباعية»، بدا بلا رصيد سياسي او دبلوماسي يمكن صرفه في «الميدان اليمني» بعد ان ادارت واشنطن ظهرها طويلا للحرب اليمنية، وواصلت لعبة شراء الوقت والظهور بمظهر الذي يمتلك الكثير من هذا الوقت,رغم انها استنفدته في مناورات عديدة وخبيثة, ورأت في ما يحدث من خراب ودمار وقتل في اليمن وانهيار في بناه التحتية ومرافقه العامة وانتشار الاوبئة والمجاعة فيه، «ورقة» اقليمية تستطيع اللعب بها في صراعها المحموم مع القوى الاقليمية والدولية»المُقابِلَة» التي وان كانت تراقب الاوضاع في اليمن عن كثب، إلاّ أنها رأت فيها ورطة لواشنطن اكثر مما هي «ورقة» ذات قيمة كبرى يمكن وضعها على طاولة البحث في قضايا وملفات اكثر سخونة واهمية استراتيجية كالازمة السورية مثلا, او وقائع الايام العراقية الدامية والمعقدة والاحتمالات المفتوحة وبخاصة ما يحدث في الموصل, كمقدِمة لإعادة ترتيب معادلة تحالفات جديدة, ان لجهة مستقبل العلاقات بين بغداد واربيل, بعد ان اخذت الاخيرة تعلِن بوضوح, ان ما بعد تحرير الموصل ليس ما قبله, ام لجهة علاقاتها المتوترة مع طهران والتي ازدادت توترا بعد توقيع اوباما على قرار الكونغرس تمديد العقوبات على ايران لعشر سنوات مقبلات, واعتبار واشنطن ان تمديد العقوبات لا يتعارض والاتفاق النووي المُعرّض هو الآخر الى خطر «الخروج» الاميركي منه، اذا ما نفّذ ترامب تهديداته بـ»تمزيقه» والانسحاب منه باعتباره «كارثة» يجب وقفها.
تصريحات المستر كيري بعد انتهاء اجتماعات الرباعية التي شارك فيها المبعوث الدولي, كانت باهتة واقل من عادية, عكست عجزا اقرب الى الافلاس منه الى اي اشارة بان الادارة الراحلة,عازمة على توظيف ما تبقّى لديها من نفوذ لإخراج الاوضاع في اليمن من راهنها المُنذِر باستمرار الحرب العبثية, التي ارهقت واستنزفت الجميع, وبات «الكل» في انتظار معجزة، او مبادرة «شجاعة» تضع حدا للنكبة المتدحرجة التي تتواصل في بلد يُعدّ من افقر دول العالم وفق الاحصائيات الدولية.
لهذا.. بدت جعبة كيري فارغة, بدلالة الفتور والعادية التي ميزت تصريحاته واجاباته على اسئلة وسائل الإعلام, من قبيل القول: بأنه «يحُّث» جميع الاطراف اليمنية للعودة الى طاولة المفاوضات, ثم «فاحت» رائحة التراجع، او لنقُل ابداءه الاستعداد لإدخال «تعديلات» على الخريطة التي وضعها المبعوث الدولي, عندما اكد رئيس الدبلوماسية الأميركية الذي بدأ يحزم حقائبه: إن خطة الأمم المتحدة (قابلة للنقاش) وليست نهائية, وان الهدف الاول هو انهاء الحرب في اليمن والتوصل لتسوية سياسية لمعالجة الاوضاع الانسانية فيه,بعد ان كانت الخارجية الامريكية دعت «هادي» الى قبول الخريطة.
بمقدور اي دبلوماسي اميركي من الدرجة العاشرة ان يقول كلاماً كهذا، دون ان تخسر واشنطن هيبتها ومكانتها وما تبقّى من نفوذها, في ازمة عكست وقائعها الدامية فشل ما يُوصَف بالمجتمع الدولي, وكيف تُقدِّم عواصم الغرب الاستعماري, مصالحها التجارية وصفقاتها العسكرية وتحالفاتها, على كل ما تزعم الدفاع عنه ومساندته والترويج له, كالقِيم الاميركية وحقوق الانسان والقانون الدولي والقانون الانساني الدولي وغيرها, مما تحفل به وتعجّ, قواميس الدبلوماسية الاميركية ذات الاقنعة المتعددة التي تعتمد البروباغندا, اكثر مما تقيم وزنا للاخلاق والمبادئ الانسانية والشرعية الدولية.دون إغفال الرسالة الدموية التي انطوى عليها التفجير الارهابي الذي تبنّاه داعش في عدن ,حاصداً ارواح أكثر من خمسين بريئاً وعشرات المصابين ,فيما يواصل هادي الحديث عن «الشرعية»التي يتمتع...بها.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة