سامح المحاريق
تبقى أسطورة المؤامرة أحد التفسيرات المريحة للأشخاص الذين لا يمتلكون الرغبة أو القدرة على المزيد من التفكير أو التأمل في أي قضية، وبحيث تلقى مسؤولية تفسير الأحداث على قوى خارجية تمتلك ذكاءً خارقاً وميولاً متأصلة لممارسة الشر، وتساعد هذه الأسطورة على أن توفر أيضاً لمعتنقيها السيناريو الجيد لأداء دور الضحية.
دللت حالة التوجس من وجود علامات استفهام كثيرة في حادثة الجفر الأخيرة على تأصل أسطورة المؤامرة لدى الكثير من الجهات، وبدأت السيناريوهات الغريبة والحديث عن عمل إرهابي أو وجود مخططات عن (رائحة شيء ما في مكان ما) تغزو عقول الكثيرين، وانضافت وسائل إعلام عربية وأجنبية لتربط بصورة تعسفية بين الحادثة ومجريات الأحداث في الحرب على تنظيم داعش، ولم يقتنع كثيرون بأن الحادثة ببساطة هي خلل فني يمكن أن يحدث في أي مكان وكل وقت، وهو حادث متكرر ومحتمل وله أسبقيات كثيرة لدى الأمريكيين وغيرهم، وإلى حد ما يمكن اعتباره من التكاليف غير المباشرة للعمل العسكري.
أخذت المزاجية الآخرين لمحاولة التعريض بالوجود الأمريكي في الأردن ومنحه ما يتخطى حدود التعاون المعروف، وهو تعاون قائم بين الأمريكيين والعديد من الدول في العالم، سواء بصورة معلنة أو سرية، وأن الأردن في هذه المرحلة هو الطرف الذي كان أكثر إلحاحاً على الأمريكيين لاتخاذ مواقف فعلية ضد تنظيم داعش.
وقعت الحادثة وستتبعها الكثير من التحقيقات لأنها تكتسب جانباً تقنياً بحتاً لتحديد المسؤول عن الخلل الميداني الذي سببها، ولكن المهم هو أن كثيرين أخذتهم من أجل انتماءات سياسية وفكرية معينة الرغبة في أن تكون الحادثة أبعد وأكبر من حجمها الحقيقي، وكأن المحطة الفضائية أو الموقع الإلكتروني يبحث عن طبق جديد بعد أن أصبحت الأخبار المتقاطرة من سوريا والعراق مكررة ولا تحمل أياً من الدهشة للمتابعين، وكان العديد من المحاورين والمعلقين يحاولون استنطاق ضيوفهم للحديث عن أبعاد إرهابية أو تآمرية وراء حادثة عادية لا يمكن أن تمثل أيما ضرر بالأردن وسلامته واستقراره عدا عن سمعته، وعلى العكس من ذلك تماما مؤشرا إيجابيا تجاه استعدادية القوات المسلحة تجاه أية تهديدات محتملة وبغض النظر عن الظروف والملابسات خاصة وحادثة مخيم الرقبان ما زالت ماثلة في الأذهان، ووقتها لم يتوقع القائمون على حراسة الحدود هجوما من مخيم للاجئين.
ربما من المناسب الحديث عن تصور اعلامي جديد يتعامل بفعالية مع الاضطراب في الأخبار، ويستطيع أن يتابع ويصحح ويوضح، مع مراعاته لحساسية المعلومة ذات الطابع العسكري، فالاستجابة لدعوات التحلي بالمسؤولية في الحالات المماثلة تكون من الاعلام الرسمي والمحلي الذي يخضع لأحكام وضوابط وأعراف قائمة بموجب القانون والخبرة ولكن ذلك السلوك لا ينطبق على الاعلام الخارجي والدولي الذي يبحث عن الجديد مما يمكن أن يزيد من حصة متابعيه، أو يخدم مموليه واتجاهاتهم، كما آليات الاعلام التقليدية فقدت قدرتها على التأثير في الفضاء الالكتروني بشكل عام.
توقيت الحادثة كان يغري بالتأويل خاصة وعصابات داعش تبحث عن مخارج من الموصل، ولكنه أيضا أعطى فرصة للمتصيدين والمتربصين وحتى أصحاب النية الحسنة ممن تتملكهم نظرية المؤامرة.