في مقاله المعنون ( نوفمبر الاسود) على موقع الجزيرة / الشرق الاوسط في الثاني من الشهر الجاري يذكرنا الاستاذ الجامعي والمؤرخ الاسرائيلي إيلان بابيه Ilan Pappe بالثاني من نوفمبر 1917 ، الذكرى ال 99 لوعد بلفور الذي كنا فيما مضى وحتى وقت غير بعيد نسميه الوعد المشؤوم ونخرج منذ كنا تلاميذ في المدارس في مظاهرات احتجاج ضده ، ويقول بابيه إن هناك خطاً مباشراً يربط ما بين هذا الوعد في عام 1917 وما حدث في نفس الشهر من عام 1947 (29 نوفمبر) حين صدر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين الى دولتين ، ثم ما حدث في 15 نوفمبر 1987 حين اصدر المجلس الوطني الفلسطيني قراره بالموافقة على التقسيم رغم ما فيه من ظلم وإجرام بحق الشعب الفلسطيني ، ويذكرنا بابيه بكلمات صديقه إدوارد سعيد عن وعد بلفور ((أنه اولاً شكل قاعدة قانونية للادعاءات الصهيونية بفلسطين وثانيا وهو الاكثر أهمية وخطورة بالنسبة لنا هو ضرورة فهم الحقائق السكانية والانسانية المترتبة عليه لانه مُنح من قبل قوة اوروبية بشأن أرض غير اوروبية مع اهمال تام لوجود وأماني أغلبية المواطنين الاصليين في تلك الارض والتعهد باعطائها لمجموعة اجنبية أخرى كان معروفا أنها سوف تجعل منها وطنا قوميا للشعب اليهودي ))، ويعلقّ بابيه بأن الأمر أسفر عما هو أشد ظلماً من ذلك إذ سمح لحركة استيطان استعمارية نشأت مؤخراً جداً في التاريخ (في اشارة منه للاستيطان الاستعماري الأقدم في أميركا منذ عام 1492 !) كي تتبنى مشروعاً تم ضمان تحقيقه حتى قبل ان تطأ اقدام افرادها تلك الارض أو تمتلك فيها وجوداً جغرافياً أو سكانيا.. ثم يشير بابيه للعلاقة السياسية الهامة التي لا يتنبه لها الكثيرون في قوله إن السكان الاصليين في فلسطين كانوا أكثر وعيا وقدرة من الهنود الاميركيين أو الابوريجينال الاستراليين في التعامل مع خطر الصهيونية حين وصلتهم لتوها وكانوا اكثر فهما واستيعابا لحق تقرير المصير وإنشاء دولتهم أكثر من اي سكان أصليين آخرين في ذلك الزمان.. لكن، ومع ان الفلسطينيين في عام 1917 قطنوا وطنهم بكامله تقريبا وملكوا معظم اراضيه فقد استطاع المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي وضعته الصهيونية بمساعدة الحراب البريطانية أن يصمد في مراحله الاولى في مواجهة الثورات الفلسطينية في أعوام 1920 و1921 و1929 وعلى الاخص ثورة 1936 التي قضى عليها الجيش البريطاني باستخدام قوات ضخمة شملت سلاح الطيران الملكي وانتهت بعد ثلاث سنوات بالتخلص من قيادتها الوطنية بالقتل اغتيالاً وشنقاً او بالنفي.. ثم جاءت النتائج المأساوية النهائية في نكبة 1948 بعد قرار التقسيم عام 1947 الذي (شرعنَ) دوليا القبول بمبدأ التخلص من اي سكان أصليين في اي مكان في العالم لمصلحة سكان آخرين ولو تم ذلك بطردهم من ارضهم وممتلكاتهم ونقلهم الى اراض أخرى او حتى بالتطهير العرقي الآثم ، وقد بدأ ذلك في الشهور القليلة التي سبقت انسحاب بريطانيا من فلسطين حيث جرى تفريغ معظم المدن الفلسطينية الكبيرة من سكانها كما أن بعض القرى والبلدات مُسحت تماماً من على وجه الارض بواسطة القوات الصهيونية ثم استمر التطهير العرقي الممنهج بعد ذلك على يد القوات الاسرائيلية..
وبعد.. فلمن نسوا نذكّر بان إيلان بابيه هو حاليا مدير المركز الاوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكسيتر البريطانية ، وقد ألف حتى الآن 15 كتابا عن الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية ومن اشهر كتبه ( التطهير العرقي في فلسطين ) (2006) وهو ناشط اشتراكي متضامن مع حركة ال BDS الفلسطينية في الدعوة لمقاطعة الاكاديميا الاسرائيلية وقد اضطر أن يهاجر من اسرائيل الى بريطانيا في عام 2007 بعد أن كان يتلقى يوميا على الهاتف تهديدات بالموت واتهامه بالخيانة لموقفه المعارض للاحتلال الاسرائيلي والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني.. وفي العام الماضي دعاه مركز الرأي للدراسات لالقاء محاضرة لكن الدعوة أحبطت بسبب اعتراض البعض عليها باعتبارها نوعاً من التطبيع !
ولمن انتبهوا لاشارة بابيه في هذا المقال الى العلاقة بين التطهير العرقي الفلسطيني وما حدث منذ مئات السنين لشعوب اصلية أخرى كهنود اميركا، أعد بمقال آخر خصوصاً لأنه مازال يحدث وإن باشكال مختلفه !
مواضيع ذات صلة