يُبرز تنامي الجريمة في مجتمعنا الأردني أهمية مواجهتنا مع ذواتنا، ومصارحتنا لأنفسنا بحقيقة بنياننا الاجتماعي، وما طرأ عليه من تغيرات سلبية خاصة على صعيد السلوك والعلاقات الاجتماعية، بعيداً عن الصورة الزاهية التي رسمناها لأنفسنا، في أكبر خدعة للذات مارسناها مع ذواتنا، لنهرب من مواجهة واقعنا ومن الاعتراف بأمراضنا الاجتماعية، وهي مواجهة ضرورية إن أردنا الخروج مما نحن فيه من انهيار اجتماعي، نجم عنه هذا العنف الذي صار يعصف بنا جرائم وجنحا متنوعة.
إن هذه المواجهة مع النفس تحتاج منا إلى أمرين، أولهما شجاعة أدبية عالية، تجعلنا نقتحم المحضور، ونكشف المستور، وثانيهما ضرورة بناء خطاب اجتماعي جديد يحمل قيما غير التي سادت مجتمعنا خلال العقود الأخيرة، وغذتها موجات اللجوء المتلاحقة التي تعرض لها بلدنا، وبناء هذا الخطاب مسؤولية المفكرين والتربويين أولاً وسائر مؤسسات التوجيه ثانياً.
إن المواجهة مع الذات والصدق مع النفس والاعتراف بالأمراض والاختلالات التي أصابت بنياننا الاجتماعي هي اولى خطوات العلاج لهذه الأمراض والاختلالات، ذلك أن الاعتراف بالمرض ومصارحة الطبيب بأعراض ما نشكو منه ووصفها بدقة هو العنصر الحاسم في تحديد المرض، ومن ثم تحديد العلاج اللازم له، وهو بالضبط ما نحتاجه لمعالجة أمراضنا الاجتماعية التي صرنا نعاني منها كثيراً والتي صار تنامي الجريمة أهم أعراضها. وهو التنامي الذي يدفعنا إلى القول بأننا لم نعد ذلك الشعب المسالم الذي تملأ السكينة نفسه والطمأنينة فؤاده، بل صارت الفضاضة والعنف سمة متنامية عند شرائح متزايدة منه، وهو العنف الذي صار يعبر عن نفسه بأنواع شتى من الجرائم، التي صارت جزءا من سلوكة الاجتماعي، وهو ما أكدته أرقام التقرير الإحصائي الجنائي لمديرية الأمن العام عن مستويات الجريمة، وأنواعها، ومواقيت وقوعها، التي صارت تقاس في مجتمعنا بالدقائق والثواني، وهي أرقام تؤكد أننا صرنا شعباً انفعالياً متوتراً، تحكمه ردات الفعل العصبية، وهذا السلوك الانفعالي أحد أهم أسباب التنامي المقلق للجريمة في بلدنا، والتي غالبا ما تقع نتيجة لتغييب العقل وغياب ثقافة التبيُن عن مجتمعنا، ومن ثم انسياقنا وراء قالة السوء، وهو الانسياق الذي يكشف عن خلل آخر أصاب بنياننا الاجتماعي، يتمثل في السطحية التي صارت سمة من سماتنا، ناجمة عن أننا لم نعد نُعمل عقولنا، وبدلاً من ذلك صرنا نستسلم للكثير من الترهات المتنامية في مجتمعنا دون أن نخضعها للفحص والتمحيص بل نمارسها على قاعدة «وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون» « الأعراف28» وقوله تعالى « ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون».
كثيرة هي الآيات القرآنية الكريمة التي تؤكد على أهمية أن يُعمل الإنسان عقله فيما يصل إليه من أعراف وتقاليد، وأن لا ينساق إليها انسياق الأنعام لراعيها، هذا الانسياق فوق أنه يخرج الإنسان من عصره، ويجعله حبيس عصور انقضت، فإنه يدفعه إلى ارتكاب الكثير من الحماقات التي تأخذ صفة الجريمة كالقتل لدواعي الثأر، أو بسبب العصبية للعشيرة أو الجهة أو الطائفة أو المذهب أو العرق وكلها جرائم ناتجة عن تعطيل العقل وتغليب الغرائز والانسياق الأعمى خلفها، وهذه ليست من سمات المجتمعات المتحضرة التي نحب أن ينتمي إليها مجتمعنا، الذي تؤكد الوقائع والأرقام المتعلقة بتنامي الجريمة أنه يسير في الاتجاه المعاكس للتحضر، مما يشكل صيحة نذير علينا أن ننتبه إليها فنسعى إلى وقف حالة التدهور التي أصابتنا والتي صارت الجريمة إشارة من إشاراتها، ونتمنى أن لا يكون نتائجها مما حذر منه القرآن الكريم بقوله تعالى « وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» فقد ربط القرآن الكريم في أكثر من آية بين التذرع بما وصلنا من الآباء والذي يغذيه المترفون الذين يرسمون في أغلب الأحيان قيم المجتمع وسلوكه الاجتماعي، وبين الهلاك الذي ينجم عن السير وراء المترفين والمتفحص في أسباب الكثير من الجرائم في بلدنا يلمس أصابع المترفين والفاسدين فيها.
Bilal.tall@yahoo.com
مواضيع ذات صلة