لست على باب المبالغة او الذهاب بعيدا في إطراء أوامتداح العمل الكبير (لديّ رغبة وصفه .. بالهائل) الذي ينهض به على نحو فردي ودؤوب ومثابر، الصديق المناضل والباحث الفذّ والصبور...نواف الزرو، الذي فاجأني قبل شهرين تماما (19 /8 الماضي)، باهدائي مجلدين ضخمين، هما آخر انتاجه البحثي المميز والمتميز, والذي يشكل اضافة نوعية الى المكتبة الفلسطينيّة والعربيّة ومرجِعاً مهّماً وحيويّاً, لمن يريد أن يعرف ويطّلع ويقف على حجم المؤامرة التي تعرضت لها «فلسطين»، الأرض والوطن والشعب، وما تزال عرضة للمشروع الصهيوني الكولونيالي الإحلالي، الذي وإن أخذ صفة «المرحلية» في القضم والتهويد والتطهير العِرقي, إلاّ أن كل ذلك يتم في اطار تحقيق الهدف الاسمى وهو الاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية، وتحويلها الى دولة يهودية صِرفة, لا مانع إن أخذت صفة «الديمقراطية» من أجل تسويق المشروع الصهيوني، لكنها في النهاية تريد وعبر خطة مُحكمة ومُحدَّدة (وان تميزت بالمرونة في بعض جوانبها الدبلوماسية والإعلامية) ترى في النهاية اقامة (الهيكل الثالث) بكل ما تمثله هذه النقلة النوعية والتاريخية, من أثر على مستقبل المنطقة تحت دعم ورعاية وهيمنة التحالف الصهيوأميركي, الذي وإن بدّل تحالفاته وشعاراته، إلاّ أنه لم يتخلّ ذات يوم عن مشروعه «الأصلي»، الذي أخذ في هذه المرحلة شكلا اكثر خطورة عندما عَمِل ويعمل, ليس فقط على تحويل الصراع مع الشعب الفلسطيني (دع عنك قياداته التي تُبدي ضعفاً وتعباً واضحين, وتسعى لتبرير تقاعسها وانهزاميتها, عبر تبني شعارات متهافتة بل واستسلامية) الى مجرد صراع على اراضٍ «مُتنازَع عليها» بل وايضا, في جعل التحالف مع اسرائيل «ضرورة» عربية عبر «مَذْهَبَة» الصراع في المنطقة, واعتبار اسرائيل «حليفاً للسُّنة العرب, في مواجهة الخطر «الشيعي» الذي تُمثّله إيران.
ما علينا..
يطل علينا نواف الزرو، بكتابه الجديد والضخم (حجماً ومادة بحثيّة موثقة)، الموسوم «الموسوعة الفلسطينيّة الشاملة... مسيرة الكفاح الشعبي العربي الفلسطيني»، في «مجلدين» من القطع الموسوعي (حتى لا أقول القطع الكبير الذي لا يفي الحجم... حَقَّه). يتولّى المجلّد الأول الإضاءة التفصيلية والشاملة على استراتيجيات الغزو والإقتلاع والإحلال والتهويد الصهيونية، فيما يذهب المجلد الثاني الى ميدان يأخذ طابعاً تأريخياً توثيقياً مُدهشاً بطابعه التفصيلي, الذي لا يترك فرصة لقارئه ان يلتقط انفاسه وبخاصة في تتبع الباحث بدقة متناهية وعين فاحصة, لمراحل المشروع الصهيوني الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر 1878 وصولاً إلى هذا العام 2016، بعد أن أنجز القائمون على المشروع الصهيوني الاستعماري الإحلالي الكثير مما حلموا به وخططوا له’ دون ان يعلنوا عن نهاية «مسعاهم», لانه في الأصل, مشروع توسعي لا يتوقف, وأهدافه بعيدة المدى على النحو الذي يمكن للمتابع او القارئ او الباحث من ملاحظة «الدقة» في الأجندة الزمنية التي يُطبقُها الصهاينة ومن يدعمهم عبر البحار والمحيطات وخصوصاً في المنطقة الشرق أوسطية (والعربيّة في المركز منها), حيث ترتفع أصوات بلا خجل او خشية, تدعو الى الواقعية والاعتراف بالأمر الواقع، وان اسرائيل باتت حقيقة واقعة, فلا داعي للمكابرة والافضل ان نصالحها ونعترف بها ونتعاون معها لمصلحة «الأجيال القادمة»، عبر توفير الموارد والامكانات وعدم تبديدها في الحروب العبثية والصراعات التي لا تنتهي وبخاصة (يقول هؤلاء لفرط وقاحتهم) اننا لا نملك القدرة على هزيمتها, وهي ذات أنياب نووية وتدعمها القوة الأكبر في العالم بل الغرب..كله.
لا يصمد هذا التنظير المتهافت والخطير والمتواطئ أمام ما يُقدِمه نواف الزرو، من حقائق ومعطيات وأرقام تدحض همروجة الاستسلام الفلسطيني (السلطوي) والعربي، بل يضيء في براعة وامساك بـ(خيط) المشروع الصهيوني الامبريالي الاحلالي, من «أوله» وصولا الى المرحلة الراهنة, وكيف انه يُطوّر أدواته و»يتفنّنن» في طرح مقارباته ومشروعاته, لكنه لا يتخلى عن الهدف الرئيس ولا يتنازل عنه... او يساوِم.
اعترف بعجزي عن تغطية او الاضاءة على كل ما جاء في هذين المجلدين, اللذين يشكلان إضافة نوعية على ما انجزه الصديق نواف في مشروعه الطموح (والفردي حتى لا ينسى أحد) على صعيد خدمة القضية الفلسطينية والتمسك بعدالتها والعمل بلا كلل على فضح الارتكابات الصهيونية، إلاّ انني اجد في نفسي المرارة الكافية وانا اسمع منه, ما يواجهه من عنت وصعوبات وعقبات في إتمام مشروعه الضخم والجريء والطَموح, وخصوصا العقبات «المادية» التي تقف حجر عثرة امام استكمال ما يحلم به، عندما اعرف مثلاً انه «يستدين» كي يدفع أجور الطباعة, وانه يُصدَم عندما يَطلب منه احد النوادي «العريقة» مقابل حجز القاعة وثمن الضيافة, اذا ما اراد اشهار مُؤلَفِه الأخير في حفل توقيع، يعلم القائمون على النادي وغيره، انه «حَفْلٌ» لا يأتي بمردود مالي للمؤلِّف, كون اغلب الحضور يريدون الحصول على النسخ «مجاناً» أو ان الذين «يشترونها» ... قلِّة.
انصح بقراءة واقتناء مجلديّ «الموسوعة الفلسطينيّة الشاملة», حيث سيقام حفل اشهارها يوم السبت 22 /10 في قاعة نقابة المقاولين في دير غبار, بعمّان الساعة السادسة مساءً.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة