كتاب

القاهرة – عمان وبالعكس

سألت سائق الأجرة , كان مصريا عتيق الطراز , لا تفارق الإبتسامة وجهه , كيف الأحوال ؟

تزداد الإبتسامة إشعاعا , فيقول الحمدلله كل شيء عسل .

لكن المرارة من ضنك العيش والجري وراء رغيف الخبز تصلك بسرعة مع ذات الإبتسامة التي يرسلها اليك .

المصريون شعب دافيء يحب الحياة , شاكر للنعم وللحياة وللبلد التي لا يفارق عشقها يجري النيل نهرا على الأرض وهو يجري أيضا دما في عروقه .

لا يكل ولا يمل مغالبة الحياة تغلبه مرات ويغلبها مرة لكنه راض وقنوع , ثقافته الشعبية تمنحه مساحه واسعة للتعبير , كلمة وإيماءة وحتى إشارة , وما عليك الا أن تقرأ ما هو كامن خلف ذلك .

النيل يجري في عمق القاهرة , وهو يجري في عمق روح المصريين , يتذكرون محاسن زعمائهم من محمد علي وحتى يومنا هذا , فلكل منهم بصمة على ضفاف النيل كما على وجوه المصريين .

• توقظك فجرا ضجيج القاهرة , و قوارب النيل لا تنفك ترسل الى أذنيك خليطا من الموسيقى والأغاني الشعبية , هذا تعبير عن فرح يبدأ منذ الصباح أو هو إن شئت تفاؤل يبتغي أحسن ما في اليوم , أو إن أردت هو مماحكة الحياة وصعوبة القادم , هذه الأذن الموسيقية هي ما تعين المصري على مكابدة يومه وهي ما تجعله صلبا لا يكل إرسال النكات التي تعبر عن واقع الحال , كل هذا يجري في عمق النيل وعلى ضفافه , في إيقاع يومي لا يتوقف طالما أن النيل ينساب بدلال وعظمة عبر القاهرة .

• أزمة السير في القاهرة لا شك خانقة ومتعبة , لكنك تعرف متى تبدأ ومتى تنتهي وتنظم وقتك وفقا لها .

أزمة السير في عمان لا شك خانقة ومتعبة , لكنك لا تعرف متى تبدأ ومتى تنتهي ولا تستطيع أن تنظم وقتك وفقا لها .

سألت ,, إذا كان هذا العدد الكبير من الناس والسيارات في الشوارع صباح مساء فمن يكون في دوامه بالوزراة أو الشركة أو البنك أو المدرسة .

وإن كان هذا العدد الهائل من النساء خلف مقاود سيارتهن , فمن يطبخ في البيوت ومن يرعى الأولاد ؟

أزمة السير في عمان تجعلك تحار , كل الناس في الشوارع يصنعون الأزمة في كل وقت وكل ساعة , فمن يجلس في البيوت ومن يعمل في المكاتب وفي المصانع والمتاجر والورش ؟.

• في الأسابيع الماضية صدر تقرير أميركي صنف الخضار والفاكهة المصرية بإعتبارها ملوثة تسقى من ماء يختلط فيه روث الحيوانات والإنسان , وبسرعة ملأت التحذيرات الأفق وملأ الريع قلوب الناس , إلا المصريين , فقد دبوا على فاكهتهم وخضرواتهم يأكلون منها ويشربون , يعززون الثقة بمصادر الإنتاج وفي مزارعيهم وفي ثرواتهم , بلا دي وإن جارت علي عزيزة .

• ما أجمل أن تجالس النيل وتستمع في قلبك الى موسيقى محمد عبدالوهاب , عن النهر الخالد وتردد كلماتها بشغف , هذا النيل هو حياة , وهذه المياه المتدفقة عبر ألاف السنين حياة فيها حكايات ومر معها تاريخ , وبينما تنظر الى القباب المعلقة , تقول من هنا مروا , ومن هنا يصنع الإنسان معجزاته وينظر بفرح الى مستقبل , مجهول بحلوه ومره , هذه عبرة , وإذ علينا نحن اأردنيين أن نتقمص هذه الروح المرحة علينا أن نسمح بأن تتملكن ذات المشاعر وذات الأفكار , فلا يعود للكراهية مكان ولا للسخط مظلة ولا للتأفف محطة ولا لجلد الذات وغير الذات مدخل « وجعلنا من الماء كل شيء حي «. .