كتاب

لنستخلص دروس الهجرة النبوية وعِبَرِها

يجدر بنا ونحن نحتفل اليوم بذكرى الهجرة النبوية الشريفة أن نستخلص دروسها وعبرها وما انطوت عليه خطوة الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه, من اثار وارساء لأسس الدولة الاسلامية الحديثة وكيف كانت هجرة نبينا الكريمة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة, بداية حقيقية ومنعطفاً تاريخياً اراد من خلاله رسول الله ان يضع اللبنات الاساسية والمتينة لرؤية نبوية شريفة كاملة ومتكاملة تنهض بنشر رسالة الاسلام وتحقيق مجتمعه وتكريس علاقة سويّة بين ابنائه من المؤمنين فيما بينهم وبين المسلمين وباقي ابناء الديانات الاخرى الذي حاول بعضهم ايذاء رسول الله ووأد دعوته والحؤول دون نشرها, لكن الرسول الكريم بما عرف عنه من اخلاق رفيعة وقلب كبير ومحبة لبني البشر قابل اساءاتهم بالاحسان وأمنهم على حيواتهم واملاكهم, مؤسساً بذلك لمجتمع تسوده الاخلاق والمحبة وتحدد فيه المسؤوليات والواجبات والحقوق بعيداً عن التعصب والتفلت والغلظة ورفضاً لكل أساليب الاكراه أو بث الكراهية.

ما أحوجنا اليوم أكثر من أي يوم مضى, أن نترجم احتفالاتنا بذكرى الهجرة النبوية الشريفة ان نتأمل في سلوك سيدنا هادي البشر ومبشّرها ونذيرها ازاء المجتمع الذي عاش فيه المهاجرون والانصار والمجتمع الذي عاش فيه المسلمون واليهود والنصارى, وكيف استطاع رسول الله أن يقود مجتمعاً متعدداً بحق, مانحاً الجميع حق التعبير عن مكوناتهم وممارسة عباداتهم دون تضييق أو منة أو زجر بل بالايمان الحقيقي بأن المسلمين يؤمنون بالكتب السماوية كافة وبالرسل والانبياء الذين سبقوا سيدنا محمد آخر النبيين والمرسلين وان المسلم لا يؤمن بالفعل إلاّ إذا آمن برسل وانبياء الله السابقين والكتب التي أُنزلت عليهم، ما يعني ان المجتمع الذي كرسه محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه كان مجتمعاً منسجماً وحيوياً، حفظت فيه حقوق الجميع وتولى الكل القيام بواجباته وتحمل مسؤولياته لهذا كان هذا المجتمع البنيان المرصوص الذي قامت عليه الدولة الاسلامية وانطلقت في كل الاتجاهات لنشر دين المحبة والسلام والاخاء والجدال بالتي هي أحسن وحفظ حقوق الناس واملاكهم ورفضاَ لأي مسّ باتباع عقائد اخرى كالنصرانية واليهودية رغم تآمر الاخرين عليه ومحاولاتهم التي لم تتوقف لايذائه وعرقلة رسالته وبث الكراهية والدعاية والتحريض المسموم على سيد البشرية وهاديها.

يجدر بنا ونحن نستذكر الاسباب التي دعت نبينا الكريم الى الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ان ندقق في المعاني والدلالات التي انطوت عليها عبارة سيدنا الكريم عندما قال محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه عندما عاد الى مكة من المدينة التي هاجر اليها ولكن فاتحاً هذه المرة لكل من آذوه وأساءوا اليه إذهبوا فأنتم الطلقاء، بكل ما يعنيه ذلك من صفات وخصال حميدة تميز بها الرسول الكريم بسعة صدره وسماحته ومحبته لبني البشر اياً كان لونهم وأصلهم وارتكاباتهم لان الاسلام هو دين الرحمة والسلام والمحبة والاخاء وان لا فرق بين المؤمنين إلاّ في التقوى وبمقدار ما يمكن ان يقدمه في سبيل الله ونشر دعوته والحض على فعل الخير، ما بالك ازاء الذين أمنهم الرسول وصحبه من بعده على حياتهم واملاكهم وحريتهم في البقاء على دينهم؟

في ذكرى الهجرة النبوية ندعو الله عز وجل ان يحفظ بلدنا وشعبنا وقيادتنا الهاشمية وان يديم نعمة الأمن والاستقرار عليه وأن يحصن مجتمعنا ضد كل محاولات العبث بأمنه او تعريض نسيجه الاجتماعي للخطر واحباط مسعى كل الذين يريدون به شراً او يسعون لبث خطاب الكراهية والخلافات في صفوف ابنائه.

وكل عام وانتم بخير..