يتسلى الروس والأميركيون بدم السوريين ، وينشغلون بتفاصيل الحرب وليس بأسبابها، والعمل بجدية للوصول الى حل ، فهما يتفقان على هدنة مؤقتة في حلب ، يتم نقضها قبل أن يجف حبرها ، ثم يتراشقون بتصريحات واتهامات متبادلة عن مسؤولية انهيارها ، فغداة الغارة الاميركية على دير الزور ، قامت الطائرات الروسية وطائرات النظام بقصف وحشي، لقافلة مساعدات انسانية كانت قادمة من تركيا باتجاه حلب، وموسكو تتهم واشنطن بعدم الجدية بإجبار قوى المعارضة على الالتزام بالهدنة ، وتصف الغارة الاميركية على جيش النظام قرب دير الزور، التي قتل فيها نحو مئة جندي وجرح أكثر من 250 آخرين بأنها « تندرج بين الإهمال الجنائي والتآمر المباشر مع داعش « ! ، والغارة الأميركية هي المرة الأولى التي تستهدف جيش النظام ، منذ بدأ التحالف الذي تقوده واشنطن ،عملياته الجوية في الأجواء السورية قبل عامين.
وبغض النظر عن التبرير الأميركي بأن القصف حدث بطريق الخطأ، فإن الغارة ربما كانت تحمل «رسالة سياسية» الى روسيا وإيران، بأن واشنطن قادرة على إبادة جيش النظام وإسقاطه في وقت قصير إذا شاءت ، بالرغم من الدعم الجوي الروسي له ، فكيف يمكن فهم أن روسيا التي رمت بثقلها العسكري والسياسي لحماية النظام ، لا تحرك ساكنا أمام أي استهداف أميركي أو إسرائيلي لجيش النظام.
كما أن الغارة الاميركية ضد قوات النظام ، تطرح تساؤلات وتثير الشكوك في جدية موقف واشنطن إزاء دعم المعارضة ، وهو موقف يرقى الى درجة التواطؤ السياسي بغرض إطالة أمد الحرب ، واستخدام الورقة السورية في سياق « الحرب الباردة « بين واشنطن وموسكو في ملفات عديدة ، وخاصة أزمة أوكرانيا التي تهم روسيا من الناحية الاستراتيجية أكبر من سوريا.
ويتواصل مسلسل المفاوضات المملة لإحياء الهدنة ، ويطلق الثنائي» لافروف- كيري» تصريحات ممجوجة ، ويمارسان التسلية كمن يلعب الشطرنج فكيري يقول في الأمم المتحدة « التقيت الوزير لافروف ،وتبادلنا بعض الأفكار وحققنا تقدما طفيفا. نعمل على تقييم بعض الأفكار المشتركة بطريقة بناءة.» لكن لافروف ينفي ويقول «إنه لا توجد دلائل تذكر على أي تحرك للأمام «. بل لديه ترف الاقتباس من رواية «مزرعة الحيوانات» لجورج أورويل ، لاتهام واشنطن بأنها تقول» إن جميع الحيوانات متساوية لكنها تتصرف، كما لو كان البعض «أكثر مساواة» من الآخرين في إشارة لعدم التزام واشنطن بما تضمنه اتفاق الهدنة، بفصل مقاتلي ما كانت تعرف في السابق، ب»جبهة النصرة « عن مقاتلي المعارضة المدعومة من الغرب , ثم يهدد كيري «صديقه» لافروف ، بوقف التعاون والتنسيق العسكري ، إذا لم توقف موسكو قصف حلب، وترد روسيا بتأكيد استعدادها للتعاون مع» الشركاء الأميركيين لتطبيع الوضع في مدينة حلب وبقية البلاد «.
في تاريخ الحروب ثمة معارك حاسمة، ويضرب بها المثل في شراستها ، ووحشية المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين والأطفال ، ومنذ الحرب العالمية الثانية ، تطفو على السطح معركة « ستالينغراد « ، التي وقعت بين القوات النازية والجيش السوفييتي، واستمرت نحو خمسة أشهر من ” 23 أغسطس 1942م إلى 2 فبراير 1943.
وفي الحرب السورية تبدو معركة حلب نسخة مصغرة عن « ستالينغراد « ، وتذهب التحليلات الى اعتبار أن المعركة ستقرر مستقبل سوريا حتى الصراع العربي الصهيوني والمجازر التي ارتكبتها اسرائيل بحق الفلسطينيين والعرب ، ربما لم يصل الى حجم ما يرتكبه جيش النظام السوري والقوات الأجنبية التي تدعمه ، «روسيا وايران وحزب الله والميليشيات الطائفية المستوردة « بحق الشعب السوري.
حلب تتعرض لحرب انتقام ، حيث يتم قصفها بوحشية ، وصار المشهد يوصف بالمحرقة «هولوكوست» و«الجحيم» وحسب أرقام «يونيسيف « فقدتم مصرع 96 طفلًا وإصابة 223 آخرين شرقي مدينة خلال خمسة أيام.
إنها ملهاة وقودها تدمير سوريا ،وما يثير التعجب للمرة المليون: كيف لنظام يرتكب هذا الكم من الجرائم بحق شعبه ، ويستقوي عليه بقوى أجنبية، أن يفكر بمواصلة حكمه حتى لو كسب الحرب ؟
Theban100@gmil.com
مواضيع ذات صلة