يحيي العالم هذا الاسبوع الذكرى الثلاثين لأول صلاة «جامعة» في مدينة أسيزي، جنوب شبه الجزيرة الإيطالية، دعا إليها البابا يوحنا بولس الثاني، وشارك بها أعداد من ممثلين عن مختلف الأديان والكنائس والعبادات.
واليوم يركب قادة الأديان في «قطار السلام» متجهين من العاصمة روما إلى أسيزي، ولذات السبب الأول، ألا وهو الصلاة من أجل السلام. وتحت عنوان: «العطش إلى السلام».
البابا فرنسيس سيحل في بلد القديس فرنسيس، صاحب صلاة «يا رب اجعلني أداة لسلامك»، وسيشارك به البطريرك الأرثوذكسي المسكوني برثلماوس الأول، إلى جوار ممثلين عن الديانتين الإسلامية واليهودية، ورئيس أساقفة كانتربري، وبطريرك السريان الأرثوذكس أفرام الثاني، وممثلين عن ديانات الشرق الأقصى وتقاليده، بالإضافة إلى ممثلين عن مختلف الكنائس.
إنّ الثلاثين سنة التي مضت، قد تضمنت نقاط قوة ونقاط ضعف في آن واحد: فقد زاد تقدّم الإنسان، وتضامنه ومشاركته في عدة لقاءات عالمية، ركزت على واجب التكافل والتكامل والتعاضد، دون أن يكون هنالك مآرب الاستئثار أو جرِّ البشر إلى اعتناق معتقدات لا يؤمنون بها. وقد أطلقت العديد من المبادرات الدولية، وأسهم الأردن فيها إسهامًا كبيرًا، لتبيان أن الدين مسهم حقيقي ولا استغناء عنه في صياغة منظومة عيش وتناغم ووئام بين مختلف الأديان وأتباعها.
لكن هذه النقاط المضيئة لم تكن لوحدها في الميدان، إذ ثمّة نقاط مؤلمة وموجعة وقاتمة وسوداء: إذ قد زُجَّ في الدين في معارك عديدة طوال هذه الفترة، ونشأت جماعات إرهابية، جنّدت كبارًا وصغارًا، يقومون إلى اليوم بأعمال قتل وتنكيل باسم الدين، وأحيانًا كثيرة باسم الله تعالى.
حاجة اليوم إذًا مكثّفة لبذل مزيد من «المحبّة» في اللقاءات، والصلاة معًا، كلّ واحد بلغته وبطريقة عبادته، فالحدث يدل على أنّ الاتحاد ممكن، وإن بقيت هنالك تعددية، فالألوان المتعددة هي التي تجعل الجمال سيّدًا، ولا يرد لون ان يلغي اللون الآخر والمجاور له.
قلوبنا تصلي مع من سيصلي في هذا النهار، ومع مؤسسة سانت إيجيدو الكاثوليكية التي تنظمه، ومع كل المشاهدين عبر شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية. قلوبنا تصلي من أجل أن يبقى الدين ركنًا أساسيًا في تحمّل مسؤوليات جسام بالحفاظ على «ممرات آمنة» للأجيال الصاعدة. فانسجام أتباع الديانات معًا في الصلاة والتفكير والحوار، هو إسهام حقيقي في اشاعة اجواء السلام والعدالة، وإرواء البشرية العطشى من ينابيعهما، وهي كذلك تضامن من أجل الحفاظ على بيئة نظيفة تشكل بيتًا آمنًا للأسرة البشرية. ومع البابا فرنسيس في سنة الرحمة هذه، ان اجتماع الاديان اليوم هو إسهام جلي في الاهتمام المشترك بالفقراء والمهجّرين الذين لهم الحق في حياة كريمة.
ختاما ، تجد كلمات البابا يوحنا بولس الثاني ، قبل 30 عاما في اسيزي ، صداها العميق، في عالم اليوم المتقدّم تقنية ، والمتأخر محبة ، فنقول معه: «أن نأتي إلى هنا لا يعني أي نية في البحث عن توافق ديني بعضنا مع بعض، أو القيام بأي مفاوضات على معتقداتنا حول الإيمان... إنّ لقاءنا يبيّن ببساطة ، وهنا تكمن رمزيّته الكبيرة، بأنّ على البشرية جمعاء أن تبحث في المصادر الأكثر عمقًا، حيث يتشكّل الضمير الحيّ، وعلى أساسه يجب أن يتصرّف الإنسان”.
Abouna.org@gmail.com
مواضيع ذات صلة