كتاب

الملك في نيويورك: صوت الحكمة والاعتدال والسلام

اضاء جلالة الملك عبدالله الثاني في الخطاب الذي القاه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على جملة من الملفات والقضايا تمثلت في جملة ما لفت اليه جلالته في الاضاءة على استحقاق الثلاثاء الكبير الذي تزامن مع كلمة جلالته عندما استهل الحديث عنه بالقول، بينما اقف امامكم، توشك الانتخابات النيابية في الاردن على الانتهاء لتمثل خطوة اخرى في مسارنا نحو التغيير والتطور للأفضل، وهو مسار التزمنا به بكل اصرار بالرغم من الاضطرابات الاقليمية وعبء اللاجئين، وتمثل الانتخابات انجازاً يعود معظم الفضل في تحقيقه لمواطنينا والشباب منهم تحديداً الذين تمسكوا بقيم الاردن المتمثلة بالوحدة والقوة والروح التواقة للتقدم رغم كل الصعوبات.

من هنا، يمكن ادراك المعاني والعلاقات العميقة التي انطوى عليها استهلال خطابه امام هذا المنتدى الدولي الاكبر عالمياً، كي يتحدث عن مسيرة الاصلاح في الاردن وعن هذا الانجاز الكبير الذي حققه الاردنيون يوم العشرين من ايلول باعتباره انتصاراً حقيقياً لخصته العبارة الملكية اللافتة «ان الانجاز في ظل هذه الظروف تحديداً، هو الذي يجعل من هذه الانتخابات انتصاراً حقيقياً».

واذ يغتنم جلالة الملك فرصة كهذه لاعادة التأكيد بثوابت الدبلوماسية الاردنية فان ما اشار اليه جلالته في الحرب على الارهاب والارهابيين وما يمثلونه من شرور، يكتسب اهمية اضافية في الظروف الراهنة عندما شخّص جلالته المشهد في المنطقة على نحو دقيق، وعملي وواقعي بعيداً عن المزايدات او التفسيرات الرخوة التي يحاول البعض تسويقها الامر الذي تجسد في قول جلالته ان قوى شريرة تعمل في منطقتنا وخارجها وهدفها اضعاف القيم التي تجمع البشرية وانا اشير هنا - قال جلالته - بالطبع الى الارهابيين المتطرفين الذين يتصدرون عناوين الأخبار، والساعين الى السيطرة على العالم، انهم يريدون ان يمحوا انجازاتنا وانجازات اجدادنا وان يدمروا الحضارة الانسانية ويدفعوا بنا الى عصور الظلام.

في اطار هذه الرؤية المتماسكة والشجاعة والقراءة العميقة تساءل جلالته: هل نحن نقوم حقاً بما يجب علينا فعله لهزيمة هذه القوى الشريرة، لنترك لأولادنا عالماً يسود فيه التآخي الانساني والأمل بدلاً من الخوف والشكوك، ولأن جلالته كعادته يتحدث بصراحة ووضوح في كل القضايا، ما بالك بهذه القضية التي تفرض نفسها على جدول اعمال العالم أجمع، فإن جلالته قال في صراحة اكثر: بعد سنوات من خوض حرب عالمية ضد الارهاب اجد نفسي مصدوماً من الفهم المغلوط لطبيعة الاسلام لدى العديد من المسؤولين الغربيين والمعاهد الفكرية وقادة الاعلام وصنّاع السياسات.

هذا الضيق بل هذه الصدمة التي عبّر عنها جلالة الملك اضطرته الى تنبيه الجميع بأن الأفكار المغلوطة عن الاسلام والمسلمين لا تسهم الا في خدمة اجندة الارهابيين الساعين لاشعال فتيل حرب عالمية، وذلك من خلال تعميق وتغذية الانقسام والاستقطاب في المجتمعات، بين الشرق والغرب، فتقوم كل مجموعة بوصم الأخرى وتنغمس أكثر فأكثر في سوء الظن بالآخر ورفضه.

ما شرحه جلالة الملك في خطابه المتميز عن خطر خوارج العصر وما لفت اليه من قيم حضارية واخلاقية وانسانية وروحية للاسلام، ديناً وحضارة وثقافة، ودفاع جلالته عن الحقوق العربية والاسلامية كان شاملاً في الرؤية والاهداف وبخاصة في الحديث عن القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الدولة معيداً جلالته ما كان قاله اكثر من مرة وهو ان السلام هو قرار يُتخذ عن وعي وارادة وعلى اسرائيل ان تقبل السلام والاّ فانها سوف تغدو محاطة بالكراهية وسط منطقة تموج بالاضطراب، فضلاً عن تأكيد جلالته في ان حماية القدس تشكل مصدر قلق كبير، لأن هذه المدينة المقدسة ركيزة للسلام، ليس فقط في المنطقة بل في العالم اجمع، اضافة الى تأكيد جلالته ان هذه المسألة على رأس اولويات جلالته الشخصية واولوية لكل المسلمين رافضاً جلالته في الوقت ذاته اي اعتداء على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية على حد سواء، مؤكداً جلالته من خلال موقعه كوصي على المقدسات الاسلامية في القدس، استمراره في حماية هذه الأماكن والتصدي لكل الاعتداءات على قدسيتها، بما في ذلك محاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف.

جملة القول ان خطاب جلالته ولقاءاته المكثفة على هامش اجتماعات الدورة العادية الحالية للأمم المتحدة ومشاركته اليوم في القمة التي يستضيفها الرئيس الأميركي حول اللاجئين، انما تندرج في اطار الجهود المباركة التي يبذلها جلالته لخدمة المصالح الوطنية العليا والدفاع عن الاسلام، والحقوق العربية الاسلامية المشروعة.