كتاب

الإخوان المسلمون.. من المخادعة إلى المغالبة

تحدثت في المقال السابق عن فتوى «لا إلزام في الأسماء واعتبار مسألة أختيار المترشحين للقوائم اجتهادية محضة» التي أصدرها أحد قياديي الإخوان المسلمين, حول أسس التصويت للمترشحين في قوائم ما يعرف بالتحالف الوطني من أجل الإصلاح,كما تحدثنا في نفس المقال عن بيان مجلس الشريعة في جماعة الإخوان المسلمين,وكلاهما الفتوى والبيان يكشفان عن وجه آخر من وجوه عمل جماعةالإخوان المسلمين وأساليب هذا العمل, وهو وجه تبادل الأدوار بين أعضاء الجماعة وهيئتها, بحيث صار من المألوف أن تبرم هيئة من هيئات الجماعة موقفاً ثم تأتي غيرها لتنقلب عليه, أو أن يتباحث فريق من الجماعة مع طرف من أطراف المجتمع أو الحكومة, ليأتي طرف آخر من الجماعة فيتنصل من الاتفاق بدعوة عدم معرفته.

كثيرة هي الشواهد والوقائع على انقلاب الإخوان المسلمين على اتفاقاتهم, لعل من أكثرها وضوحاً طبيعة العلاقة بين حزب جبهة العمل الإسلامي وبين الجماعة, ففي الوقت الذي يتم فيه الإعلان بصورة متكررة عن استقلالية الحزب وعدم ارتباطه بالجماعة, إلا الزعم بأن بعض أعضاء الجماعة هم في الوقت نفسه أعضاء في الحزب,في واحدة من أوضح صور محاولة خداع الرأي العام واستغفاله,لأن الجميع يعلم علم اليقين أن الحزب ليس أكثر من ذراع من أذرع الجماعة, وأن قراراته تأتي جاهزة من الجماعة, بما في ذلك انتخاب الأمين العام للحزب وسائر هيئاته التي تحدد الجماعة من هم أعضاؤها قبل يوم الانتخاب, والكل يذكر كيف أنه تم الاتفاق قبل فترة مع أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين على أن يتولى موقع الأمانة العامة للحزب كجزء من حل أزمة الجماعة, وتصفية الخلافات بين أجنحتها المتصارعة, وهو الأمر الذي تم الانقلاب عليه من مجموعة التنظيم السري ليلة الانتخابات, وهذه واقعة تصح كمدخل لضرب الكثير من الأمثلة من تاريخ انقلابات الإخوان المسلمين على تحالفاتهم, وغدرهم بحلفائهم عبر تاريخهم الطويل, من ذلك قصة تأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي.

لقد أسُس حزب جبهة العمل الإسلامي ليكون إطاراً جامعا لمكونات التيار الإسلامي المتعددة في الأردن, وتعاونت على تأسيسه مجموعة من الشخصيات الإسلامية المستقلة, الذين استثمر الإخوان المسلمون أسماءهم في مرحلة التأسيس, حتى إذا ما جاء موعد أول انتخابات لهيئات الحزب بدأ الإخوان المسلمون مسلسل انقلابهم على أعضاء الحزب المؤسسين من غير الإخوان, وهو المسلسل الذي استمر حتى صار الحزب عملياً شعبة من شعب الإخوان المسلمين, تأتيها القرارات والتوجيهات والتوجهات من المكتب العام للإخوان المسلمين, في ممارسة معتادة من الإخوان المسلمين, فكل من يقرأ تاريخ الجماعة سيجد أن مواقفها وتحالفاتها تتراوح ما بين المخادعة والمغالبة, فعندما يكون الإخوان المسلمون بحاجة إلى شخص أو هيئة أو دولة يتحالفون معها, حتى لو كان هذا التحالف يتناقض مع كل مواقفهم ومبادئهم المعلنة, فقد تحالف الإخوان المسلمون مع أنظمة مغرقه في الدكتاتورية, مثلما تحالفوا مع الحاديين, عندما كان هذا التحالف يحقق أهدافهم مثلما انقلبوا عليه عندما استنفذوا أغراضهم منه.إلم يتحالف الإخوان المسلمون في مصر مع الملك فاروق, وكان مرشدهم العام يخرج مع جولاتهم لاستقبال الملك والترحيب به, ثم انقلبوا عليه وحالفوا جمال عبد الناصر ثم انقلبوا عليه, وهكذا فعلوا مع السادات ومبارك, وعندما اندلع ما سمي بالربيع العربي ركب الإخوان موجته, وتحالفوا مع كل القوى الإسلامية والوطنية في مصر, ثم استفردوا بحكم مصر, وانقلبوا على كل حلفائهم بمن فيهم حزب النور السلفي, أقرب الحلفاء إليهم,

أكثر من ذلك فان الإخوان المسلمين ينقلبون على اتفاقاتهم فيما بينهم, ألم ينقلبوا على بعضهم في السودان فصاروا فريقين بعضهم مع الترابي وبعضهم الاخر مع البشير, كما انقلبوا على أحد أهم رموزهم, وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, مثلما انقلبوا على اتفاقهم مع القوى الإسلامية بعدم خوضهم لانتخابات الرئاسة المصرية, ودعم ترشيح الدكتور محمد سليم العوا الذي طالما دافع عنهم, لكن تاريخه معهم لم يشفع له عندهم فانقلبوا عليه.

وفي غير مصر فإن تاريخ الإخوان حافل بانقلاباتهم على تحالفاتهم, فحتى اندلاع الربيع العربي كانت دمشق محجاً لهم, وكانت طهران عاصمة الثورة الإسلامية, وكان حسن نصرالله سيد المقاومة, فأين صار ذلك كله؟

كثيرة هي الأمثلة على انقلابات الإخوان المسلمين على تحالفاتهم منها على سبيل المثال, انقلابهم على حلفائهم في الانتخابات النيابية الأردنية عام 1993, وانقلاباتهم الكثيرة على حلفائهم في ما كان يعرف باللجنة التنسيقية لأحزاب المعارضة الأردنية, وصولاً إلى مسلسل انقلاباتهم على تحالفهم التاريخي مع الدولة الأردنية, وهو المسلسل الذي مازال مستمراً حتى يوم الناس هذا, بعد أن ظنوا أن الأيام دانت لهم, وأن مجريات ما سمى بالربيع العربي ستمكنهم من مغالبة الدولة الأردنية, فانقلبت علاقتهم بها من المخادعة إلى المغالبة, لكنهم خسروا الرهان كما سيخسر حلفاؤهم في قوائم التحالف الوطني للإصلاح الرهان على الإخوان, فطبع الإخوان غلاب وفتواهم جاهزة.

Bilal.tall@yahoo.com