كتاب

أقصر السبل لحل المشاكل: المواجهة لا التجاهل

استجابة لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني للحكومة في شهر آذار الماضي بضرورة وأهمية تشكيل لجنة وطنية لتنمية الموارد البشرية. تسهم في تطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية وتؤطر القطاعات المعنية بالتعليم، جاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموار البشرية والتي قدمت خلالها اللجنة الوطنية توصياتها المستقبلية لتطوير قطاع التعليم في المملكة والموارد البشرية في شكل عام، يوم أمس برعاية جلالة الملك وجلالة الملكة رانيا العبدالله لتؤكد ضمن امور اخرى، الأهمية بل الأولوية. التي يمنحها جلالته لموضوع حيوي كهذا، الأمر الذي تجلى في وضوحه وصراحته وشموليته في الكلمة المهمة والمثقلة بالدلالات والرسائل التي القتها جلالة الملكة رانيا العبدالله، والتي تحدثت فيها بكلام وقراءة دقيقة وصادقة وكاشفة غير مسبوقة في تشخيصها وطرق العلاق التي دعت لاتباعها في قطاع حيوي وأساسي في منظومتنا الوطنية، وهو قطاع التعليم، بما يعج به ويواجهه من تحدثيات قالت جلالتها في قراءة جريئة وحازمة ان لا جهة واحدة مسؤولة عن المشكلة، لكننا جميعا نتحمل مسؤولية حلها..

في سياق نظرة جلالتها التي احاطت بمجمل المشهد التربوي والتعليمي جاء تذكيرها بمقولة جلالة الملك التي طالما رددها جلالته ودعا الجميع الى اتباعها والسير على معانيها وخطاها وهي ان أقصر الطرق لحل المشكلة هي المواجهة لا التجاهل ما يعني اننا الان مدعوون، أكثر من اي يوم مضى الى انتهاج سبيل المصارحة والوضوح والانخراط في تشخيص المشكلات والوقوف على اسبابها ووضع العلاج الحقيقي والناحع لها، بعيداً عن القاء المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، او بذل جهود في غير محلها، تنصب على تبرئة الذات، فيما تبقى المشكلة قائمة وتتعمق سلبياتها وبالتالي تزداد صعوبة حلها ومعالجتها ويدفع في النهاية الطالب واسرته والمجتمع الأردني بأسره أكلافها التي ستكون باهظة مقارنة بما لو كنا عالجناها قبل استفحالها وازدياد خطورتها.

من هنا تكتسب دعودة جلالة الملكة الى النظر بجدية الى الكنز الحقيقي الموجود حولنا والذي لا داعي للحفر والبحث عنه، وهو الكنز المدفون في عقول ابنائنا الذي علينا استخراجه، اهمية اضافية ليس فقط في انه استثمار مجمد وطويل الأمد والرهان عليه يرتقي الى أعلى مراتب الاستراتيجية الوطنية بل وايضا في عدم ايلاء الأهمية القصوى للأوهام التي عشعشت في عقول واذهان البعض وهي ان تحويل مجرى التاريخ عبر الثورات والمعونات او اكتشاف ثروة طبيعية او حتى كنز مدفون يحلم به الكثيرون.

هنا أيضا، تضع جلالة الملكة الاصبع على الموضع الصحيح الذي يجب أن نوليه الأهمية ونمنحه الأولوية هي 'الموهبة' التي هي أغلى سلعة في عالمنا - كالمعرفة ايضا والابتكار والتكنولوجيا بما هي معوقات، النجاح لأي دولة، ما يعني عن حق وكما قالت جلالتها بشجاعة ورهان على ارادة وقدارت ابناء شعبنا ان الاردن ليس استثناء، لان كل ذلك في متناول ايدينا شريطة ان نستثمره في التعليم، اليوم وليس غدا، فلا يقف عندئذ بين حاضرنا والمستقبل الذي نطمح اليه إلا انفسنا..

هي دعوة ملكية الى مواجهة الذات والنظر فيها عبر مرآة الحاضر وعدم تجاهل ما نحن علية وخصوصا في الاحصائية الدقيقة واللافتة التي أوردتها جلالتها عن حاضر التعليم واعداد الطلبة الذين يسجلون في الصف الأول الاساسي كل عام وتساؤل جلالتها الموجع عن ماذا نقدم لهم؟ وما شكل رحلتهم في منظومة التعليم الأردنية الى ان انتهت جلالتها لايراد ارقام صادمة عن نسب الذين يحظون بتعليم مبكر ثم النسبة المخيفة بل المفجعة عن المستوى المتدني لمن هم في الصف الثاني والثالث الابتدائي حيث يصلون 3% دون مستوى القراءة فضلا عن تأخر طلاب المرحلة الابتدائية في مادة الرياضيات دون اهمال اشارة جلالتها الى) التوجيهي) وواقعه غير المرضي.

ولعل ما ذكرته جلالتها حول ذهاب 10% من موازنة وزارة التربية والتعليم الى تطوير العملية التعليمة فيما هي تصل في فنلندا مثلاُ الى 40%، كذلك في عدم توفير اي تدريب نوعي يذكر في كيفية التعليم لاصحاب التخصصات غير تخصص التربية من المعلمين فضلا عن تحميلنا المعلم الذي نقول على الدوام انه محور العملية التعليمية، مسؤوليات جسيمة دون ان نمكنه من تحملها ونجده رغم ذلك يقف في مقدمة الصف يبذل قصارى جهده من ابنائه، يضيء على واقع العملية التعليمية ويحفز على وضع حد لعدم تطابق الاقول مع الافعال وان نتخذ خطوات جريئة وواقعية تخرجنا من واقعنا الراهن الى فضاء اكثر انتاجية وابداعاُ..

قصارى القول ان جلالة الملكة دقت ناقوس الخطر وقالت في وضوح وصراحة ان هدفها من كلمتها الشاملة والجريئة هذه لم يكن وضعنا في خندق معتم لا أمل فيه ولا نور، بل كان دعوة صادقة وعميقة من اجل اثراء التعليم وفتح آفاق المعرفة وانشاء مركز مختص لمتابعة الاساليب التربوية وتطوير المناهج وتحديثها وهو نموذج تبنته كثير من الدول المتقدمة في التحصيل العلمي، كذلك ايلاء الأهمية لتخريج معلمين مؤهلين.