عبدالهادي راجي المجالي
هذا الصباح لحظة كتابتي المقال , كنت أحكي قصصا لأولادي عن اليوم الأول لي في المدرسة , وقد أخبرتهم أني كنت طالبا نجيبا ومجتهدا ومطيعا ..وانتظر الباص حتى يأتي , ولحظة صعودي أسلم على (المس) وأجلس مؤدبا في مكاني ...كنت أحاول أن أحمسهم ..للذهاب .
في الحقيقة لم يكن يوجد باص , كنت اذهب إلى المدرسة سيرا على الأقدام ..وفي الطريق , يداهمني رتل من (الجاجات) ..لا أعرف لمن , وكنت أسأل نفسي ماالذي حدا بالدجاج كي يصحو مبكرا ..؟ وثمة مطاردات تندلع ...ويشاركني فيها مرتب الصف الثالث , وفي النهاية وكالمعتاد تهزمنا الدجاجات .
ذات يوم وفي لجة المطاردة , وضعت حقيبتي على جانب حائط , ونسيتها ..في اليوم الأول من المنطق أن تنسى فنحن لم نعتد على الحقائب بعد ..أتذكر أن أيلول كان يحمل في صباحاته بعضا من الندى ولسعات البرد , وكانت ليلى تأتي إلى المدرسة , تعتريها بعض الرجفة ..بحكم أن شعرها ما زال مبلولا (والشبرة) البيضاء منتصبة فوق (الجدولة) ..وكنت أراقب رجفة البرد التي تزول بعد الحصة الثانية , حالما تستقر الشمس في المنتصف وتصدر دفئا جميلا ...وليلى جميلة ومستحيلة , فهي سمراء ..وبلل الماء على أطراف جبهتها كأنه وميض ..أو وهج وكانت المرة الأولى في حياتي التي أشاهد فيها سمراء بوهج الحب .
حسنا يا ليلى كم مضى على أيلول ؟...وكم مضى على خدمتنا سويا في مرتب الثالث الإبتدائي (ب) ...؟ أنا لا أعرف ولكني هذا الصباح قمت باسترداد الذكريات كلها ...
زمان ..وحين نذهب للمدرسة , لم نكن نذهب لنتعلم القراءة والكتابة فقط , كنا نذهب كي نطوع قلوبنا على العشق , والوطن ,والحياة ...وأنا تعلمت الكتابة , من رجفة تلك البنت , حين كانت تأتي بالمريول الأزرق , وتقف معنا في الطابور , وتحاول عبثا أن تخفي رجفة البرد ..وكنا نحاول أن نعطيها (الجاكيت) ولكننا نخاف من المعلمة , فهي لم تكن تسمح بالحب لطفل رأى الحياة (جدولة ) و(شبرة) ...
حسنا ياليلى قبل (33) عاما , لم تسمح لي المعلمة بمنحك (الجاكيت) ..فهل يكفي مقالي أن يكون ..معطفك هذا الصباح , عله يمنحك بعض الدفء في صباحات ايلول الباردة ....