سامح المحاريق
تدخل الحكومة لتعديل أسعار المأكولات الشعبية وتخفيضها بنسب تتراوح من 7% إلى 15% خطوة مريحة، والمؤكد أن الحكومة استعدت لأن تتلقى نقداً واسعاً من ملاك المطاعم الذي سيخسرون بصورة تلقائية جزءا من هوامش أرباحهم كان بعضهم يعتقد بأنه من حقوقه المكتسبة، حتى لو انخفضت تكلفته فإنه ليس مطالباً في المقابل بتخفيض أسعاره.
إذا اختطت الحكومة هذه المنهجية فيبدو أنها تسير على الطريق الصحيح على الأقل في معالجة الأوضاع الاقتصادية، فالوفر الذي سيتحقق من بند الغذاء سيتوجه لقطاعات اقتصادية أخرى، وسيعمل على ضخ السيولة تجاهها، ولكن هل تستطيع الحكومة أن تقف في وجه بعض المحتكرين في السوق الأردنية؟
حينما يتجول المسافر الأردني في الأسواق في بلاد كثيرة، فإنه يلاحظ أن أسعار المنتجات الغذائية المستوردة ومعها بنود المنظفات والعناية الشخصية تقل، وكثيراً في بعض الأحيان، عن نفس المنتجات في الأردن مع أنها من نفس المصدر، وربما تكون تكلفة النقل للأردن أقل من بعض الدول الإفريقية أو الآسيوية البعيدة، فما الذي يجعل المواطن الأردني عرضة لدفع فارق كبير في ثمن نفس السلعة؟ قبل التسرع والحديث عن الجمارك والرسوم فإن ذلك لا يبدو صحيحاً في حالات كثيرة، فالمقارنة أصلاً مع دول تفرض جماركاً ورسوماً عالية.
يوجد محتكرون في الأردن، ويوجد حالة من التواطؤ على عدم الدخول في حرب سعرية تكون لمصلحة المواطن في النهاية، والتجار الذين غضبوا نتيجة تصريحات حكومية حول دورهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة، بعضهم يتحدث عن قطاعات معينة تشترك في المعاناة الاقتصادية، ولكن الجميع يحاول أن يعمم ليظهر القطاع الخاص وكأنه الضحية!!
الحكومة يمكنها أن تتقدم خطوات أخرى، وستواجه ردود فعل قوية، وربما تحالفات من أجل احباط اجراءات أخرى يمكن أن تتعلق بضبط الأسواق، وخاصة فيما يتعلق بالزيادات غير المبررة في الأسعار خاصة وأن معدلات التضخم في إطار معقول، كما أن بعضاً من مدخلات الانتاج تشهد تراجعاً في أسعارها على مستوى الأسواق العالمية.
الاحتكار لا يخدم السوق، هو يساعد على تضخم ثروة المحتكر الشخصية، والبيئة التنافسية من أحد أهم روافع الاقتصاد الحر، ولكنها للأسف لا تطبق في الأردن بالصورة اللازمة، والإصلاح الاقتصادي يجب أن يترافق مع إجراءات إعادة هيكلة لتصبح عملية دخول السوق بالنسبة للشركات الصغيرة والشركات الكبيرة أسهل مما عليه، إلا في بعض القطاعات التي تتصف بالاستثمار التكنولوجي والمعرفي فيتوجب توفير حماية معينة ليسترد المستثمر تكلفته الكاملة، والتدخل في ذلك يعتبر خطوة من الحكومة لتتوجه على المستوى الاقتصادي لما بعد مجرد إدارة المديونية.
لتبسيط المثل السابق، يمكن تتبع سلوك الأسعار في قطاع الاتصالات منذ عشرين عاماً إلى اليوم، والتعرف على دور المنافسة في الوصول بأسعار المكالمات الهاتفية إلى مستويات معقولة جداً، بعد أن كانت تكلفتها تجعل اقتناء الهاتف النقال علامة على الثراء وسعة الحال.
يبدو أن حكومة الملقي حصلت على دفعة معنوية جيدة تطمئنها بأن العلاقة مع الدائنين لن تتعرض لصدمات أو مفاجآت غير متوقعة، ووجدت لديها بعضاً من الوقت للالتفات للسوق المحلي والعمل على مواجهة بعض المشكلات المتراكمة، ومن المهم أن يتم التعامل بايجابية مع القطاع الخاص لأنه من المهم أن يتم إعادة ترتيب السيولة المتوفرة في السوق والقدرة الإنفاقية للمواطنين لتدعم قطاعات أخرى.