ثمة مفاجآت في ليبيا, وليس ما يظهر على السطح سوى رأس جبل الجليد, الذي فرض نفسه على المشهد الليبي بعد «الزلزال» الذي حدث في بنغازي يوم 11/9 الماضي, وهو اليوم الذي شهد مصرع السفير الاميركي وثلاثة من العاملين الاميركيين بالقنصلية الاميركية في بنغازي, والذي يبدو أن مصطفى أبو شاقور دفع فاتورته الاولى, والأدق القول الفاتورة المعلنة, إذ تم «تدفيع» ليبيا الجديدة فواتير كثيرة سياسية ودبلوماسية ومعنوية, لم تكن اعتذارات رئيس المجلس الوطني محمد المقريف في ليبيا وعبر المكالمات الهاتفية والفضائيات, والتي تَوّجها من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة, سوى الدليل الأبرز على أكلاف المسّ بهيبة الامبراطورية الاميركية وقتل سفيرها ومِنْ قِبل الذين «حررتهم» أميركا ذاتها..
ولا يبدو مألوفاً أو قابلاً للتصديق أن شخصاً كُلّف بعد الحادث بيوم واحد (12/9) تشكيل حكومة «دائمة» استطاع بشق الأنفس وبفارق صوتين (في الجولة الثانية) برز خلالها بوضوح دعم حزب العدالة والبناء (المنبثق عن الاخوان المسلمين) له في مواجهة محمود جبريل «زعيم» تحالف القوى الوطنية الليبرالي, الذي يتوفر على الاغلبية الحزبية في المجلس الوطني (39 مقعداً من اصل 80 مخصصة للاحزاب فيما يحتل حزب العدالة والبناء 17 مقعداً, أما الـ (120) المتبقية فهي للمستقلين).. ثم فجأة يتم سحب الثقة من الرجل, بعد أن فشل في نيل الثقة على تشكيلة حكومته الاولى ولما عاد بتشكيلة وزارية من عشرة وزراء, مُطلقاً عليها وصف «حكومة أزمة» قيل للرجل: انتهى دورك وعليك النزول عن المسرح فلم تعد مقبولاً لدينا!!
مَنْ قال له ذلك؟
هنا تكمن المفاجأة, التقى محمود جبريل الليبرالي مع خصومه (حتى لا نقول اعداءه) في حزب العدالة والبناء الاخواني, على نحو غير متوقع ورفعا البطاقة الحمراء في وجه مصطفى أبو شاقور, الذي قيل عنه أنه اخواني أو قريباً جداً منهم, وهم الذين أوصلوه إلى موقعه للحؤول دون وصول محمود جبريل على نحو دفع الرجل (ابو شاقور) الى كتابة تغريدة على موقعه قبل يومين يقول لمن «اتهموه» بانه اخواني «هل اقتنعتم الآن انني لست اخوانيا»؟
فما الذي حدث فعلا؟
نحسب انه «أمر عمليات» اميركي بابعاد هذا «الملتحي» عن المشهد تحت طائلة دفع اكلاف باهظة اذا ما بقي ستارا للجماعات الاسلامية (حتى الاخوان المسلمون منهم) في منصب رئيس الوزراء, لأن ادارة اوباما استخلصت دروساً وعبر الحادث المأساوي في بنغازي الذي اوقعها في ورطة شديدة وجلب لها تعليقات وتنديدات في الداخل الاميركي خصوصا من معسكر الحزب الجمهوري الذي رأى في ذلك هزيمة وفشلا مدويا لسياسة اوباما الساعية (منذ خطابه في جامعة القاهرة 4/6/2009) الى «مصالحة» مع المسلمين وتيارات الاسلام السياسي ولم تكن صدفة ان قال اوباما نفسه ان مصر ليست دولة صديقة ولا عدوة, بعد المظاهرات الشعبية ضد السفارة الاميركية بالقاهرة و»تقاعس» قوات الامن المصرية عن حمايتها وعدم إدانة مرسي «السريعة» لتلك الاحداث, ما اثار الرعب في اوساط اخوان مصر الذين رأوا في عدم استقبال اوباما للرئيس مرسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة, رسالة جادة مثقلة بالدلالات رغم ان الرئاسة المصرية كانت قد اعلنت «رسمياً» ان مرسي سيلتقي اوباما..
محمود جبريل رجل المرحلة الجديدة, ولن يجد صعوبة في الحصول على دعم الأغلبية في المجلس الوطني الليبي لان اخوان ليبيا (حزب العدالة والبناء) لن يقولوا له لا, وإن قالوها فإنما لحفظ ماء الوجه لان الثقل الاكبر هو لدى المُستقلّين وما ادراك ما المُستقلّون .
هذا لا يعني ابدا ان الادارة الاميركية «فكّت» تحالفها الجديد مع حركات الاسلام السياسي وخصوصا الاخوان المسلمين, أو نقضت الصفقة التي عقدتها معهم بوساطة ورعاية وتوصية «وضمانة» تركية بان كل شيء سيكون تحت السيطرة ومضبوطا ولن تتأثر مصالح اميركا او امن اسرائيل من وصول الاسلاميين الى الحكم .. لكن واشنطن ارادت «فرك اذانهم» وتحذيرهم بأن هذا سلوك غير مقبول وان الوقت حان لان تضبطوا انفسكم وتُحكموا سيطرتكم وان تضعوا حدا لهؤلاء الزعران او المتطرفين الذين ينضوون تحت يافطات ورايات وتنظيمات جهادية تكفيرية ولا مانع لدينا من استنساخكم لتجارب من أسقطّتموهم مثل اجهزة قمع بن علي ومبارك والقذافي..
أليس هذا ما يجري الان في الدول الثلاث تحت ذرائع وتبريرات لا تنطلي على شعوب تلك الدول التي اوصلت «الاخوان» الى الحكم.. فاستأثروا بالسلطة وراحوا يقدمون الولاءات للخارج.
[email protected]