مراجعة – محمد المعايطه - لكل منا حكاية أخرى، غير تلك التي يراها الناس ويقومون بالحكم عليها، انكسار يتخفى داخل صورتنا المعلنة، او طفل باكي وراء اليد التي تمسك بسكين، هناك دوماً انانا الأخرى، التي يجب أن نقترب أكثر لكي نراها أو نلمسها.
لكل منا حكاية، وسر آخر قائم داخل هذه الروح لا يعرفه أحد سوانا، وقد لا نعرفه حتى نحن، ولكنه قائم حتى ولو لأجل ما، ومن الممكن إلى الأبد، هناك دوماً دمعة نمسكها، أو ضحكة لا نريد لها الخروج، هناك دائماً آخر.
هذا ما تطرحه سناء أبو شرار في روايتها الجديدة «لأني أشتاق إليك»، ضمن سلسلة الهلال، في 134 صفحة من القطع المتوسط، من، أهدت المؤلفة عملها الجديد إلى «الأردن الذي أحب».
يتناول العمل قصة سجينتين هما «نجوى، وجميلة» اللتين تختلفان في تفاصيل الحياة والشخصية إلا أنهن متشابهات جداً، حيث يأخذن قراراً قبل الإفراج عنهن بإسبوعين عدم قبول الإفراج، والتزام السجن والعيش فيه، كلاً منهن قام بجريمة القتل بأسباب ودوافع مختلفة، الأمر الذي أنتهى بهن في السجن بأحكام طويلة، بعد أن تحدثن لبعضهن البعض بعد مدة طويلة، يكتشفن رغبتهم بعدم الخروج والعودة مرة أخرى الى الحرية، نجوى المنكسرى دوماً التي لا أهل لها ولا رفيق، بقيت طوال حياتها بعزلة ووحيدة، وجميلة التي لعبت بها الحياة كثيراً، قتلت زوجها، وينتظرها أهل زوجها بالخارج لكي يقتصوا منها.
تبدأ أحداث الرواية بقليل من الحوار والأحداث، بعد أن أتخذتا كلتاهما القرار بالبقاء في السجن لدعدم جدوى أو صعوبة الخروج الى الحرية والحياة العادية خارج الأسوار، لتقررا الكتابة في السجن.
اتبعت أبو شرار في هذا العمل تقنية المتكلم العليم، وبدأت دائماً بالأسم الأول ورقمها في السجن للحديث عن العديد من الذكريات والمواقف التي يمررن بها.
وتناولت حياة بعض السجينات معهن، «كزهرة» التي ترى المرارة بنظرتها والحقد ورغبة الإنتقام الدائمة بعينيها إثر قسوة الحياة عليها، وجه بارد ونظرات حادة، لكنها تخبئ بين طيات ذلك الحزن العميق الحالة الصعبة التي تعيش، وموقفها مع نجوى في آخر الليل، أنها لا تستطيع الإستغفار وطلبها منها بالقيام بذلك بدلاً منها، تلك الشخصية التي تحوي على فصام شديد ولكن قد يكون مبررا تارة وقريبا جدا ومتشابه تارة أخرى. جميلة في أغلب ما كتبت عن حبها لعمان ولشوارع عمان وأبيها التي بالرغم من قسوته الشديدة إلا أنها كانت تتمنى ولو للحظات أن تضمه، تلك الذكريات الصغيرة التي في هكذا حال تتضخم وتصبح عبئاً أو أملاً لبعض الحياة والهواء المختلف للتنفس.
من أجواء الرواية: «أنا السجينة القديمة، أعرفُ تماماً ملامح الحرية الحقيقية التي تعيش هناك في مكانٍ صامت ومُضيء من النفس ، أعرفُ تماماً ملامح ذلك الذي يتجول في حرية المكان ويحيا حرية النفس ، تبدو نظراتهُ كنظرات صقر يراقب فريستهُ ولكنه يُمهلها كل الوقت قبلَ الإنقضاض عليها ؛ يراقب بصمت الفضاء اللامحدود ويعرف تماماً بأنه يوجد له دائماً مكان فسيح تحت الشمس.. ذلك الذي عرف أن حرية المكان لا تعني بالضرورة حرية الروح ، فانطلق من كل قيود الحياة وعبر جسور التقاليد وطقوس الحب والكراهية...ذلك الذي تسبر نظراته عمق الوجود ويبحث عن معنى لكل ما في هذا الكون من خلال الجمادات والأحياء بل وحتى الأموات، تنقله روحه لجميع الأماكن وتقرأ معه ملامح الوجوه وتهمس له بأن الحقيقة ليست بعيدة، وغامضة ولا صعبة بل هي تغلف كل ما بهذا الوجود ولكننا لا نريد أن نراها لأننا نريد أن نحيا الحقيقة التي تصنعها أفكارنا ومشاعرنا».