عمان - الرأي - يمثل المخرج جيم جارموش واحداً من أعلام المخرجين الأميركيين المستقلين الذين يعملون خارج المؤسسة الهوليوودية. وقد اكتسبت بعض أفلامه التي تظهر تأثره بالسينما الفرنسية إعجاباً يقارب العبادة من قبل قطاع معين من الجمهور السينمائي، وفازت أفلامه بثلاث من جوائز مهرجان كان السينمائي.
ومن أبرز أفلام المخرج جيم جارموش فيلم «الرجل الميت»، الذي يعرض في السادسة والنصف من مساء الثلاثاء بمنتدى شومان وهو ثامن فيلم من إخراج هذا المخرج المتميز الذي يقوم بكتابة قصص وسيناريو جميع أفلامه، بالإضافة إلى نشاطاته في الإنتاج والتصوير والتأليف الموسيقي والظهور كممثل في أدوار قصيرة في أفلامه غيره من المخرجين.
تقع أحداث فيلم «الرجل الميت» في الغرب الأميركي في العام 1875، وهو من أفلام رعاة البقر، ولكنه من الأفلام الغريبة من هذا النوع السينمائي. تدور قصة الفيلم حول شاب يدعى وليام بليك يعمل محاسباً في مدينة كليفلاند ويتلقى عرضاً للعمل في مصنع للأدوات المعدنية ببلدة نائية في الغرب الأميركي. وبعد القيام برحلة طويلة ومضنية بالقطار يصل إلى تلك البلدة ليكتشف أن الوظيفة الموعودة له قد أعطيت لغيره. ويتعرف هذا الشاب على شابة جميلة ويقضي الليلة معها دون أن يعلم أنها مخطوبة لابن صاحب المصنع الذي يفاجئهما ويطلق النار عليهما ويقتل الفتاة ويصيب الشاب بطلقة في صدره، ويقوم الشاب بدوره بقتل ابن صاحب المصنع. وبعد ذلك يقوم الشاب بسرقة حصان تابع لصاحب المصنع ويلوذ بالفرار. ويستأجر صاحب المصنع ثلاثة من عتاة المجرمين لمطاردة الشاب الفار وقتله أو إعادته حياً واسترجاع الحصان. وعندما يصحو الشاب من النوم يجد هندياً أحمر يحاول إخراج الرصاصة من صدره. ونعلم أن الهندي الأحمر سبق أن درس في إنجلترا وأنه معجب بالشاعر الإنجليزي وليام بليك، ويعتقد أن الشاب الذي يحمل اسم وليام بليك هو الشاعر نفسه. ويبدأ الاثنان معاً رحلة طويلة تتخللها مجموعة من الشخصيات الغريبة التي تطاردهما والتي يحاولان مراوغتها، ويمر الاثنان بسلسلة من الأحداث التي تجمع بين العنف ومشاعر القسوة والعطف والحنان والإيمان في رحلتهم الجسدية والروحية نحو المجهول.
ويحمل فيلم «الرجل الميت» البصمة الواضحة للمخرج جيم جارموش الذي يجسد نظرية سينما المؤلف في الإخراج السينمائي، مستعيناً بمقومات الفيلم المتميزة العديدة، بما في ذلك أداء الممثلين والتصوير والموسيقى التصويرية والمونتاج. ومن المشاهد المميزة التي تظهر براعة المخرج جيم جارموش على وجه الخصوص في الفيلم مشهد رحلة القطار الطويلة نحو الغرب الأميركي. إذ إننا نرى بطل الفيلم وهو يغلب عليه النعاس، وكلما استفاق من النوم يجد أن الركاب الموجودين بجواره قد تغيروا، ومع تقدم الرحلة تزداد أشكال الركاب وتصرفاتهم فظاظة وجلافة، في إشارة واضحة إلى خطورة حياة عالم الغرب الأميركي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كلما ازداد التوغل فيه.
ويتميز الفيلم بأداء ممثليه الذين يضمون مجموعة من الممثلين القديرين، وفي مقدمتهم الممثل جوني ديب في دور بطل الفيلم وليام بليك والممثل جاري فارمر في دور الهندي الأحمر. كما يضم الفيلم عدداً من الممثلين المخضرمين الذي يؤدون أدواراً قصيرة في الفيلم، ومنهم روبرت ميتشوم في آخر أدواره السينمائية، ووليام هيرت وجبراييل بيرنز وبيلي بوب ثورنتون.
كما يتميز فيلم «الرجل الميت» بتصويره الواقعي بالأبيض والأسود للمصور روبي مولر وبموسيقاه التصويرية التي تستخدم فيها آلة الجيتار بطريقة معبرة ومؤثرة للموسيقار نيل يونج.
يشار إلى أن معظم الأعمال السينمائية للمخرج جيم جارموش تثير الكثير من الجدل بسبب الطابع الفريد لأفلامه . ولا يختلف فيلم «الرجل الميت» عن أفلامه الأخرى في إثارته لقدر كبير من الجدل. وتنقسم آراء النقاد حول هذا الفيلم ما بين أولئك الذين يعشقونه ويعتبرونه عملاً سينمائياً إبداعياً متميزاً، وأولئك الذين يعتبرونه فيلماً غريباً عن مجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار.