الدروز في الاردن ... الموحودون - «بنو رحلة مستمرة من النضال والبناء

الدروز في الاردن ... الموحودون - «بنو رحلة مستمرة من النضال والبناء

جهاد جبارة  - سرى الاعتقاد في العقد الاول من القرن الخامس الهجري، بأن  الحاكم بأمر الله الفاطمي هو المهدي المنتظر، وأنه سيحقق العدالة الاجتماعية التي طال انتظار الناس لها... وساعد على هذا الاعتقاد تلك الصفات المميزة التي لصقت بشخصية الحاكم بأمر الله.
في ظل تلك الظروف، ومن رحم المذهب الفاطمي الاسماعيلي نشأ مذهب الدروز، وتمحورت العقيدة حول الامام المهدي بهداية الهية، وبصفته حاملاً للنور الالهي، ووافق ذلك فكرة الرجعة، وعودة المهدي المنتظر الذي سيعود لبسط ملكوت الله على الارض  لكي يملأها حكمة وعدلاً.
ليبلغ تعداد «الموحدين» الملقبين بالدروز نحو مليون  نسمة في أحسن التقديرات، وتتركز هذه المجموعة في جبل العرب في سوريا،ن وفي لبنان وفلسطين، واعداد قليلة في الاردن .. وهناك بعض المجموعات الصغيرة في اميركا، واميركا اللاتينية التي هاجرت اصلاً من سوريا ولبنان...
«عاهد سليم قنطار» نائب رئيس تجمع ابناء بني معروف (الدروز) في الاردن قال «للرأي» انه ليس لديهم في حقيقة الامر احصائيات رسمية عن اعداد الدروز على الرغم  من قلتهم فهم يشكلون ما نسبته 3-4 بالمائة  من سكان سوريا، وحوالي 8 بالمائة من سكان لبنان ، غير انه يشير الى الادوار الكبيرة التي لعبها الدروز - على الرغم من قلتهم - منذ نشأتهم وحتى العصر الحديث فقد تميز تاريخهم بالثورات المتتالية ، والحروب الدائمة  بدءاً بحروبهم ضد الصليبيين الى دورهم حديثاً في الحرب الاهلية اللبنانية مروراً بثوراتهم ومعاركهم الكبيرة ضد الحكم العثماني، والحكم المصري لبلاد الشام في عهد «محمد علي» وابنه «ابراهيم باشا» ، الى قيادتهم للثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين بقيادة «سلطان باشا الاطرش» عام 1925 .
فمن هي هذه المجموعة الصغيرة التي تمكنت من فعل كل ذلك وكان لها دور بارز في تاريخ سوريا ولبنان؟
يقول «قنطار»: نشأت جماعة الدروز في القرن الحادي عشر الميلادي  إثر دعوة ظهرت في القاهرة وتحديداً في عهد الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله عام 1017 ميلادي، وانتشر دعاتها في مناطق مختلفة من العالم الاسلامي كما اقبل عليها اعداد كثيرة ، الا انه وبعد غيبة الحاكم وتولي ابنه الظاهر الحكم عام 1021م انقلب على دعوة ابيه ما دعا كثيرين للعودة الى مذاهبهم السابقة والتراجع عن الفكر الدرزي (الدعوة الدرزية). وأدى ذلك الى اقفالها  نهائياً عام 1044م بعد أن استمرت ما يقرب ربع قرن.
ويوضح «قنطار» ان الذين بقوا متمسكين بالدعوة الدرزية كان معظمهم يسكنون في مناطق جبلية لا يسهل الوصول اليها ومن تلك المناطق واهمها واقدمها «جبل لبنان»، ووادي «التيم» عند جبل الشيخ.. اما حالياً فإن اكبر تجمع لهم في لبنان، وفي جبل العرب في سوريا علماً  أن استيطانهم في جبل العرب يعتبر  قريب العهد، ويعود الى العقد الثاني من القرن السابع عشر  في الوقت الذي بقيت فيه جماعات صغيرة من الدروز  قرب الجبل الاعلى بجانب حلب، وغوطة  ودمشق ، وصفد، والجليل في فلسطين.
سبب التسمية
وعن سبب تسمية الجماعة بـ«الدروز» يقول عاهد قنطار: انه في مستهل عام 1017 تم الكشف عن المذهب، حيث قرئ سجل من الامام الحاكم الى حمزة بن علي الزوزني الذي كان قد وصل الى القاهرة من خراسان عام 407هـ والذي كان يشكل مع الدعاة  الاربعة سلامة بن عبدالوهاب السامري، محمد بن وهب القرشي، اسماعيل بن محمد التميمي، وبهاء الدين علي بن احمد الطائي، الحدود الخمسة العالميين لمذهب الموحدين، الا انه في عام 409هـ حدث انقسام في الدعوة حين انقلب احد الدعاة والمسمى بـ «نشتكين الدرزي» على حمزة بن علي الزوزني بعد ان كان قد اقر باقامته، ففي الوقت الذي كان فيه حمزة يرى ان الايمان بالدعوة يتأتى عن طريق الاقناع والروية كان  الدرزي يصر على اتباع القوة لفرض الايمان.. وخلال قتال بين الاطراف حدث في اليوم الاخير من عام 409هـ تمت هزيمة الدرزي الذي قُتل في بداية عام 410هـ وقد تكون الضجة التي اثارها هي السبب في اطلاق اسمه على «الموحدين» موضحاً انهم يتبرأون منه.
دروز الاردن
وعن تواجد «الدروز» في الاردن فان «قنطار» يعتبر ان تحديد ذلك لا يتم بمعزل عن التواجد الدرزي في جبل العرب، مضيفاً ان الحديث عن مراحل استقرار الدروز في الاردن يستدعي الحديث عن تداخل الحدود بين الاراضي الاردنية، واراضي جبل الدروز (العرب)، هذا التداخل الذي سببته اتفاقية سايكس بيكو، حسب قنطار، واستمر طيلة فترة الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
ويفصل بأن «التكوين الجغرافي لمنطقة تواجد الدروز كانت تمتد بين ما يعرف حالياً بجبل الدروز امتداداً حتى منطقة الازرق في شمال الاردن، لقربها من اراضي جبل العرب حيث كانت تتبع له، وتشير الوثيقة المقدمة من «مصطفى الاطرش» شيخ «متان» في جبل العرب، والمؤرخة في الخامس عشر من رمضان عام 1325 للهجرة، الى ان منطقة الازرق هي اراض تقع جنوب قرية متان في جبل الدروز وتتبع لها، وقد تم تصديق هذه الوثيقة من السلطات التركية آنذاك، موضحاً ان الاراضي الواقعة بين الازرق والمنطقة الجنوبية لجبل الدروز كانت تعتبر جزءاً من اراضي الجبل الى ان اصابها التعديل الحدودي في عهد الانتداب.
شخصيات مشهورة
وعن الشخصيات الدرزية التي كان لها دور مميز في الاردن منذ التأسيس يقول قنطار: ان اول حكومة اردنية شكلت في 11 نيسان عام 1921 كانت برئاسة «رشيد طليع» وهو درزي من لبنان والذي كان ايضاً رئيساً لحزب الاستقلال، الوريث الشرعي «للجمعية العربية الفتاة» كما عاد «طليع» وشكل الحكومة الثانية في الخامس من تموز عام 1921..
ويشير الى ان رجال حزب الاستقلال آنذاك قدموا من دمشق بعد انتهاء الحكم الفيصلي وكان هدفهم الثورة ضد الفرنسيين وطردهم من سوريا واعادة توحيد الوطن السوري في حكومة وحدة وطنية واحدة، ومن اهم رجالات حزب الاستقلال من الدروز الذين وفدوا الى الاردن اضافة الى «رشيد طليع»، «فؤاد سليم» الذي شغل منصب رئيس هيئة اركان الجيش الاردني، والامير «عادل ارسلان» الذي عُين رئيساً للديوان الاميري، و«عجاج نويهض»  الذي عين مديرا للاذاعة ثم مديرا للمطبوعات والنشر، والدكتور سليمان النجار الذي شغل منصب مدير الخدمات الطبية، ثم فريد طليع الذي تسلم مهام مدير الخدمات الطبية مباشرة بعد سليمان النجار.
وحول استقرار الدروز في الاردن، يؤكد قنطار ان بداية استقرارهم كانت في واحة الازرق القريبة من جبل العرب والتي كانت  تعتبر جزءا من اراضيه، موضحا ان بداية الاستقرار في الازرق كانت عام 1918 عندما وصل ما مجموعه 22 عائلة درزية من جبل العرب بعد خروج الاتراك من المنطقة وسكنت قصر الازرق «وهو قصر اموي مبني من الحجارة  البازلتية السوداء» ولان تلك المنطقة كانت موحشة مما كان يدعو هذه العائلات لاغلاق ابواب القصر الحجري خوفا من الغزوات والحيوانات الكاسرة والمفترسة.
غير ان اول سكن للدروز سُجل خارج القصر كان عام 1937 عندما قام احد الدروز ببناء بيت له يبعد عن القصر مئتي متر فقط.
الاندماج
ويبين قنطار ان علاقة الدروز مع بلدة الازرق ترسخت وقويت عندما اصبحت هذه البلدة احدى محطات الثورة العربية الكبرى وانتقلت اليها قيادة الامير فيصل بن الحسين قائد الجيش المتوجه شمالا.
ويستذكر قنطار هنا ما ذكره المؤرخ سليمان الموسى في كتابه لورنس العرب: «ان الازرق كانت واسطة الاتصال بين فيصل وانصاره من السوريين ومنهم الدروز، حيث اخذ الكثير من مؤيدي الثورة بمغادرة سوريا كي ينضموا الى جيش الثورة».
ويضيف: لقد استمرت حركة الدروز وتنقلهم من والى داخل الامارة الناشئة آنذاك حيث كانت تلك التحركات تتم اما على شكل عائلي، او فردي، ولاسباب عديدة منها:
1- مجموعات اتت لتسكن الازرق او القرى المحاذية للجبل مثل قرية ام القطين او لزراعة اراض مملوكة لسكان قرى جبل الدروز.
2- مجموعات اتت طلبا للرزق والعمل.
3- مجموعات قدمت قسرا بسبب ظروف الثورة ضد المستعمر الفرنسي وبعدها ظروف الثورات ضد الحكومات المحلية، مثل الثورة ضد «اديب الشيشكلي».
ولم ينته عام 1932 حتى كان الدروز يشكلون جزءا يتنامى ضمن  المجتمع الاردني وتوزعوا في مناطق عديدة اهمها الازرق، العاصمة عمان، الزرقاء، الرصيفة، ام القطين، العقبة والمفرق.
وعن اعداد الدروز في الاردن يوضح قنطار: لان الدروز يندرجون ضمن العرب المسلمين في الاردن فان تعدادهم لا يتم ضمن احصاء منفرد غير التقديرات الموجودة لدى تجمع ابناء بني معروف تشير ان العدد لا يتجاوز 15 الف نسمة موزعين كالتالي: الازرق «6200»، عمان «6000»، الزرقاء «1500»، ام القطين «450»، الرصيفة «400»، العقبة «100»، المفرق «100».
الازرق: اكبر تجمع للدروز بالاردن هو في الازرق ورغم ان الاعداد القاطنة في مدينة عمان تكاد تتساوى مع الاعداد المقيمين في الازرق الا ان تواجدهم في عمان يتوزع على مناطق مختلفة داخل مدينة يفوق عدد سكان 5ر1 مليون نسمة اما في الازرق فانهم يشلكون الغالبية المطلقة.
وبعد استقرار اول العائلات الرئيسية الدورز في الازرق عام 1918 لجأت اليها اعداد اخرى من الدروز عام 1924 بعد ان ازداد الوضع في جبل الدروز سوءا.
ويعتبر استخراج ملح الطعام وتكريره من اهم مصادر الدخل لسكان الازرق، فقد تم اكتشاف الملح عام 1924 مصادفة هناك فبعد ان قام احد الصيادين بحفر حفرة ليكمن فيها للصيد تفاجأ بتدفق الماء وامتلائها لكنه عندما عاد بعد عدة ايام وجد الحفرة قد جفت من الماء الذي تحول الى ملح ومنذ ذلك الوقت اصبح استخراج الملح هو العمل الرئيسي للسكان وهو اهم مصدر من مصادر الدخل، وبعد معاناة على مدار 60 عاما، اصبح يستخرج ويكرر بطرق حديثة الى ان تم بناء مصنع لتكرير الملح عام 1987 تملكه جمعية الازرق التعاونية.
لقد شملت النهضة الاردنية منطقة الازرق بطبيعة الحال فبعد ان كانت منطقة مغلقة شبه معزولة اصبحت الآن نقطة تلاقي الطرق الدولية البرية التي تربط الاردن بالعراق، وسوريا، والسعودية مما ادى الى ازدهار الخدمات الصناعية، والتجارية، والسياحية وخلق فرص عمل واستثمارات جديدة لسكان المنطقة.
اضافة الى كل ذلك فقد اتجه العديد من السكان الى العمل بالزراعة المروية وانشاء مزارع الزيتون، والعنب.
عمان
كان النجاح الذي حققه الدروز الاوائل في عمان وراء اقبال المجموعات المتتالية للقدوم اليها ولم ينحصر ذلك في منطقة جبل الدروز ولبنان، بل جاءها دروز من فلسطين ومع النمو العمراني والاقتصادي الكبير الذي حققته عمان كانت اعداد الدروز تزداد حيث ساهموا في المجالات كافة، وعمل قسم منهم في قطاع الانشاءات والتعهدات وحققوا نجاحا كبيرا.
مؤسسات اجتماعية
ساهم الدروز كبقية مواطني المملكة في انشاء، وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وبرز دور الجمعيات الخيرية كأطر مؤسسية تنظم العمل الاجتماعي والخيري وتوظفه في تنمية المجتمع المحلي، ولما كانت هذه الجمعيات تمثل اطر المجتمع المدني المتوفرة والمرخصة فقد نشط «بنو معروف» ومنذ مراحل مبكرة في تأسيس جمعيات خيرية شأنهم في ذلك شأن الشعب الاردني فهناك على سبيل المثال.
جمعية الفقير الدرزي
تأسست هذه الجمعية في مدينة حيفا في فلسطين وبدأت عملها عام 1939، وكان دروز الاردن يمارسون انشطتهم الاجتماعية من خلال هذه الجمعية قبل تأسيس الجمعيات الاخرى وقد تم نقل جزء من نشاط هذه الجمعية الى عمان بعد عام 1948 واستمرت طيلة عقد الخمسينات غير انه لم يتم تسجيلها رسميا في الاردن.
جمعية الازرق الخيرية: وقد تأسست عام 1967 في الازرق ومارست انشطة اجتماعية فعالة حيث كانت تشرف على كافة البرامج والمساعدات المخصصة للمجتمع المحلي مثل تقديم وجبة غذاء يوميا لطلاب وطالبات المدارس.
الجمعية الخيرية العربية
وقد تأسست في عمان عام 1969 وكان لهذه الجمعية دور بارز في ممارسة انشطة مختلفة تعنى بالمجتمع المحلي مثل تدريب الفتيات على مهن مختلفة وكذلك انشطة رياضية وثقافية واجتماعية تهدف الى تفاعل الدروز مع المجتمع المحلي اسوة بالكثير من الجمعيات في محافظة العاصمة كما تملك هذه الجمعية مبنى مؤلفا من اربعة ادوار في واحد من جبال عمان.
وهناك ايضاً، جمعية الحكمة الخيرية في الزرقاء ومثلها في الرصيفة بالاضافة الى جمعية سيدات الازرق للتنمية الاجتماعية.
اما فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية فيوضح قنطار ان «بني معروف» يعتبرون العمل التعاوني صيغة متقدمة للعمل المتبع الذي يوظف الجهود، ويوحد ويخلق من وحدات الانتاج الصغيرة قوة انتاج تستطيع ان تقف في منافسة متكافئة مع عوامل المنافسة في اقتصاد السوق فهناك العديد من الجمعيات التعاونية التي قام بتأسيسها الدروز في الاردن واهم تلك الجمعيات جمعية الازرق التعاونية، جمعية سيدات الازرق التعاونية.
جمعية آل معروف التعاونية
وهناك ايضاً العديد من النوادي الثقافية والرياضية مثل نادي الازرق الذي تأسس عام 1971، ومنتدى الازرق الثقافي الذي تأسس عام 1996 وهو الذي يقوم بتنظيم مهرجان الازرق للثقافة والفنون والذي يجري سنوياً في قلعة الازرق الاثرية.
وعن التكافل الاسري والروابط الاجتماعية لبني معروف: اوضح قنطار انه بتاريخ 12/12/1990 اصدر دروز الاردن وثيقة اجتماعية ترسم الخطوط لأطر العلاقات الاجتماعية بين ابناء بني معروف المقيمين في الاردن لما يكفل التآخي، ويحقق التعاون فيما بينهم، وقد جاء في هذه الوثيقة «اننا كجزء لا يتجزأ من الامة العربية نجد انفسنا معنيين بالتراث، عادات وتقاليد، نحترمه ونجله، ونضعه من مشاعرنا المكان الذي يستحق فهو ربط للماضي بالحاضر، يعطي للمجتمع وسائل الاستمرارية والتطور وهو كجزء اساسي من الهوية المميزة لكل مجموعة من الناس، وان اية محاولة للخروج عن هذه الاطر الاجتماعية تحمل فيها بذور فنائها.
وقد تطرقت هذه الوثيقة الى تحديد السلوك وتمتين الروابط الاجتماعية، والابتعاد عن مظاهر الاسراف فيما يتعلق بعادات الخطوبة والزواج والاعياد والتعزية مؤكدة على العادات العربية الاصيلة التي اعتزت بها عشائر بني معروف عبر تاريخها.