عمان - محمود الزواوي - خلّف الممثل جيمس دين الذي ذهب ضحية حادث سيارة في العام 1955 وهو في سن الرابعة والعشرين تراثا سينمائيا وسيرة شخصية حولته إلى أسطورة سينمائية إن لم نقل أيقونة سينمائية لها ملايين الأتباع، رغم مضي نصف قرن على وفاته.
وفي الحقيقة أن ظاهرة جيمس دين كانت الأشهر من نوعها في هوليوود منذ رحيل الممثل والعاشق الشهير رودولف فالنتينو في العام 1926 وهو في سن الحادية والثلاثين. كما أنه يضاهي أسطورة الممثلة الراحلة مارلين مونرو التي ولدت في العام 1926، وهو العام الذي توفي فيه رودولف فالنتينو، وتوفيت في العام 1962 في سن السادسة والثلاثين.
والشيء المذهل هو أن الشهرة التي حققها الممثل جيمس دين والتي حوّلته إلى أيقونة سينمائية وظاهرة فنية بعد وفاته تستند إلى ثلاثة أفلام فقط قام ببطولتها خلال فترة تزيد قليلا على العام. فقد كان قبل ذلك ممثلا مغمورا، حيث قام ببعض الأدوار المسرحية والتلفزيونية والسينمائية الثانوية قبل أن يصعد إلى القمة فجأة في أفلامه الثلاثة الأخيرة.
وقد عاش الممثل جيمس دين حياة مضطربة مليئة بالتناقضات. فقد كان فنانا موهوبا ولكنه عاش طفولة معذبة اتسمت بالحرمان من حنان الأبوين والافتقار إلى الإحساس بالأمان والاستقرار. وبعد أن انتقل مع أسرته من ولاية إنديانا التي ولد فيها إلى مدينة لوس انجيليس بولاية كاليفورنيا توفيت والدته وهو في سن التاسعة، وعاد بعد ذلك ليعيش مع أقرباء له في مزرعة بولاية إنديانا مسقط رأسه. وبعد التخرج من المدرسة الثانوية، عاد جيمس دين إلى ولاية كاليفورنيا حيث باشر دراسته الجامعية في كلية سانتا مونيكا ثم في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجيليس حيث تخصص في دراسة الفنون المسرحية، ولكنه لم يستمر فيها طويلا، ثم انتقل إلى العمل المسرحي وقام ببعض الأدوار الثانوية وظهر في بعض الإعلانات التلفزيونية وفي عدد من الأدوار السينمائية القصيرة.
وفي العام 1951 انتقل جيمس دين إلى مدينة نيويورك وعمل في مطاعمها، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الممثلين المكافحين. وبعد الظهور في عدد من الأدوار المسرحية القصيرة على مسارح برودواي، انضم إلى «استديو الممثلين» الشهير الذي تخرج منه عدد من مشاهير الممثلين الأميركيين مما يعرف بأسلوب «التمثيل المنهجي» الذي اشتهر به ممثلون مثل مارلون براندو ومونتجومري كليفت وبول نيومان، إلا أنه لم يواظب على الدراسة. وتبرز عدم قدرة جيمس دين على متابعة أي عمل يحتاج إلى الانتظام والانضباط في جميع مراحل حياته، مما يعبر عن حالة عدم الأمان والاستقرار التي عاشها منذ الطفولة.
وبعد ذلك عاد إلى القيام بالأدوار التلفزيونية القصيرة ثم قام بدور فتى عربي في مسرحية «اللاأخلاقي» في العام 1954، وفاز عن ذلك الدور بجائزة دانيال بلوم المسرحية. ولفت أداؤه في تلك المسرحية انتباه المنتجين السينمائيين في هوليوود وأسفر عن توقيع عقد بينه وبين استديو الأخوة وارنر، وعن قيامه ببطولة ثلاثة روائع سينمائية خلال مدة تزيد قليلا على العام بين العامين 1954 و1955، وهي فيلم «شرق عدن» للمخرج إيليا كازان، وفيلم «متمرد بدون قضية» للمخرج نيكولاس راي، وفيلم «العملاق» للمخرج جورج ستيفنس. ورشح جيمس دين عن دوريه في فيلمي «شرق عدن» و«العملاق» لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي. وقد عرض فيلماه الأخيران «متمرد بدون قضية» و«العملاق» بعد وفاته، كما رشح لجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم «العملاق» بعد رحيله. وفاز جيمس دين بجائزة الكرات الذهبية مرتين، إحداهما بعد وفاته لأفضل ممثل درامي.
ومن الأمثلة على قيام الممثل جيمس دين بتطبيق أسلوب «التمثيل المنهجي» الذي يقتضي من الممثل أن «يعيش» الحياة الداخلية للشخصية بدلا من مجرد التمثيل الخارجي أنه تعمد أثناء تصوير مشاهد فيلم «شرق عدن» (1955) أن يجرح شعور الممثل المخضرم ريموند ماسي الذي يقوم بدور والده الغاضب في الفيلم، بعد تصوير أحد مشاهد ذلك الفيلم. وعندما سأله المخرج إيليا كازان عن سبب ما فعله للممثل ريموند ماسي أجابه قائلا « إنني أريد منه أن يكرهني على الشاشة»، معبرا بذلك عن التطبيق العملي لأسلوب التمثيل المنهجي، لكي يقوم الممثل ريموند ماسي بالتعبير عن المشاعر الحقيقية لدوره كأب غاضب على إبنه.
وقد اتسمت الفترة القصيرة التي ربطت الممثل جيمس دين باستديو الأخوة وارنر بمشاجراته المستمرة مع مدير ذلك الاستديو جاك وارنر الذي كان معروفا بتسلطه وتعطشه للسلطة وكراهيته الشخصية للممثل جيمس دين الذي عرف بغطرسته، وهي سمة اشترك فيها كلاهما. واعتبر جاك وارنر الشهرة المفاجئة التي اكتسبها جيمس دين بعد قيامه ببطولة فيلمي «شرق عدن» و«متمرد بدون قضية» في العام 1955 خطرا يهدد سطوة ونفوذ مدراء الاستديوهات الكبرى في هوليوود من أمثاله. فكيف يمكن لمدراء الاستديوهات التحكم في «الصورة العامة» المشرقة لممثلين موهوبين معروفين بسوء تصرفاتهم وبأطوارهم الغريبة كجيمس دين وكمثليه الأعليين مارلون براندو ومونتجومري كليفت في أعين الجمهور، حرصا من هؤلاء المدراء على تجنب الإحراج الذي يسبّبه مثل هؤلاء الممثلين، مما يعود بالضرر على إيرادات أفلامهم. وقد فقد جاك وارنر أعصابه في إحدى المناسبات حين اعترف جيمس دين في مقابلة صحفية بأنه يميل نحو الذكور والإناث على حد سواء في علاقاته الجنسية. وقد ربطت جيمس دين علاقة حميمية مع المنتج السينمائي روجرز براكيت بعد انتقاله إلى هوليوود، وقام هذا المنتج برعاية جيمس دين في أيامه الأولى في هوليوود وساعده على الحصول على العديد من الأدوار السينمائية والتلفزيونية الثانوية.
وتحول الممثل جيمس دين بفضل أفلامه السينمائية الثلاثة الأخيرة وشخصيته الغامضة بعد وفاته إلى قوة سحرية بين ملايين المعجبين الذين رفض كثيرون منهم تصديق وفاته. وتم تأليف العديد من الكتب عن حياة جيمس دين ، كما تم إنتاج فيلمين يتعلقان به، هما كل من فيلم «عد إلى محل الخمسة والعشرة سنتات، جيمي دين، جيمي دين» للمخرج المعروف روبرت ألتمان (1982)، وفيلم «30 سبتمبر 1955» (1978) للمخرج جيمس بريدجيز، وهو التاريخ الذي لقي فيه جيمس دين حتفه وهو يقود سيارة بورش على أحد الطرق الرئيسية بولاية كاليفورنيا وهو في طريقه للاشتراك في سباق للسيارات. وقد وقع الحادث الذي لقي فيه جيمس دين مصرعه بعد مضي ساعتين فقط على حصوله على مخالفة مرور بسبب سرعة انطلاق سيارته.
وكان استديو الأخوة وارنر قد منع جيمس دين من الاشتراك في سباقات السيارات أثناء تصوير مشاهد فيلمه الأخير «العملاق» مع الممثلين روك هدسون وإليزابيث تيلور. ولكن جيمس دين انطلق في اليوم التالي لانتهاء تصوير مشاهد ذلك الفيلم، بسيارته من مدينة لوس أنجيليس في طريقه للإشتراك في سباق للسيارات، وفارق الحياة قبل أن يصل إلى موقع السباق.
وتنتشر في الولايات المتحدة في هذه الأيام، وبعد مضي نصف قرن على رحيل جيمس دين، المئات من نوادي المعجبين التي تحمل إسمه. كما يقام مهرجان سنوي لإحياء ذكراه في بلدة فيرمونت بولاية إنديانا التي نشأ فيها ووري التراب فيها.