ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه واتباعه الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. وبعد:
فان الله تعالى ما خلق الخليقة واسكنها هذه البسيطة الا ليبلوهم ايهم احسن عملا، ومع انه فطرهم على الحنيفية الا انه لم يكلهم الى فطرهم الكامنة في نفوسهم، بل ارسل اليهم الرسل، وانزل عليهم الكتب «رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل» النساء الاية 4.
ثم انه - عز وجل - ختم الرسل بأفضلهم، والأمم بخيرها، فجعله صلى الله عليه وسلم افضل رسول الى خير امة، وارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. فدعا صلى الله عليه وسلم أمته للايمان الذي هو التصديق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح.
قال تعالى: «والعصر، ان الانسان لفي خسر، الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» العصر الايات 1 - 2 - 3
وبهذا يتبين ان العمل الصالح من الاشياء التي يلزم حصولها كي يعتبر الانسان مؤمنا. ولو ادعى مدع انه مؤمن وترك الاعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصيام وحج فانه لا يعتبر حينئذ مؤمنا لأنه لم يأت بالعمل الصالح، وافضل الاعمال واحبها الى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه، والمداومة على الاعمال الصالحة من الاهمية في الشريعة الاسلامية بمكان. وتظهر اوجه اهميتها بما يلي:
منها: ان فرائض الله عز وجل انما فرضت على الدوام، وهي احب الاعمال الى الله تعالى، كما في الحديث القدسي «وما تقرب الي عبدي بشيء احب اليّ مما افترضته عليه» اخرجه البخاري.
ويستثنى من ذلك الحج الذي فرض في العمر مرة درءا للمشقة عن امة محمد وتيسيرا عليها. واذا كان احب الاعمال الى الله فرض على الدوام فان فيه دليلا على اهمية المداومة.
ومنها: ان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الاعمال الصالحة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عمل عملا اثبته، وكان اذا نام من الليل او مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة» رواه مسلم.
وعنها ايضا - قالت «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى صلاة احب ان يداوم عليها، وكان اذا غلبه نوم او وجع عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة» رواه مسلم.
ومنها: ان الاعمال المداوم عليها احب الاعمال الى الله والى رسوله.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب الاعمال الى الله ادومها وان قل» متفق عليه.
وعن مسروق قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - اي العمل كان احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم.. متفق عليه.
ومنها: ان من فاته شيء من الاعمال التي يداوم عليها استحب له قضاؤه، ولولا ما للمداومة من اهمية ما شرع له ذلك.
فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يبلغ به الى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: من فاته شيء من ورده، او قال من جزئه من الليل فقرأه ما بين صلاة الفجر الى الظهر فكأنما قرأه من ليله. اخرجه مسلم والامام احمد.
وللمداومة على الاعمال الصالحة آثار:
من اثار المداومة على الاعمال الصالحة: دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتا وتعلقا بالله - عز وجل - وتوكلا عليه، ومن ثم يكفيه الله همه، قال تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» سورة الطلاق الاية 3، واعتبر بعض اهل العلم هذا الاثر من الحكم التي شرعت من اجلها الاذكار المطلقة، والمقيدة بالاحوال.
ومن اثار المداومة على الاعمال الصالحة: تعهد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها، ومن ثم تصبح ديدنا لها لا تكاد تنفك عنها رغبة فيها، وكما قيل «نفسك ان لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية».
ومن اثار المداومة على الاعمال الصالحة: انها سبب لمحبة الله تعالى للعبد وولاية العبد لله، قال تعالى: (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة الاية 222، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - عند هذه الاية ان الله يحب التوابين من ذنوبهم على الدوام ويحب المتطهرين اي المتنزهين عن الاثام. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه، فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وان سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء انا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته» اخرجه البخاري.
تأليف مجموعة من طلبة العلم في القصيم