عمان - الرأي - يعد حسن فتحي شيخ البنائين المصريين رائد «عمارة الفقراء»، فيما انطوت أفكاره المعمارية على قيمة علمية وأخلاقية، على حدِ سواء. ولقد وجدت هذه الأفكار طريقها إلى التحقق في مناطق عدة من العالم: في مصر، وأمريكا، وأوروبا وآسيا. فهي لم تكن مجرد أفكار هندسية مجردة. ولكنها أفكار تحمل هاجسا أنسانيا، يمتلك لونه الثقافي الذي لا يخفى، كما أنه يتبنى الإنسان و يسعى إلى تمكينه من حقوقه الأساسية - وهي هنا تتمثل بالمسكن الكريم- من خلال بحث أصيل في الشخصية والهوية والتراث المعماري والفكري والحضاري للشرق.
وبرز حسن فتحي بوصفه معمارياً ينطلق من وجهة نظر خاصة ومتكاملة، ولا تقتصر على المعطيات الهندسية، وترتكز على تراث أمته وتستفيد في الوقت نفسه من إنجازات الآخرين. وانطلقت رؤية حسن فتحي المعمارية من إدراك الفوارق الرهيبة في القدرات المادية والدخل السنوي للأهالي وتكاليف البناء، ما يؤدي إلى عجز في القدرة على توفير الكم الكافي من المساكن التي يحتاجها أفراد المجتمع، فيصبح المسكن امتيازاً لمن يملكون، فيما تبقى الأغلبية الفقيرة رهناً بالأكشاك و الخيام، في ظروف قاسية وازدحام لا يحتمل، ما يؤدي بدوره إلى مشاكل اجتماعية نفسية لا حصر لها ولا لآثارها المدمرة.
كان حسن فتحي يؤكد أن المنح الحكومية و ميكنة البناء و أساليب البناء الجاهزة لن تحل أزمة السكن في الدول الفقيرة، و إن الحل الأمثل يبدأ من قيام الأهالي بالبناء بأنفسهم لأنفسهم، بأسلوب التعاون التقليدي، وإن الحل لأزمة السكن لا يمكن له أن يتحقق بدون إخضاع علوم الهندسة والتكنولوجيا الحديثة، لاقتصاديات الأهالي ذوي الدخول شديدة الانخفاض، بما يسمح بإيجاد مسكن يتفق مع هذه الدخول.
وكانت قراءة حسن فتحي الواعية للتراث المعماري العربي، تأتي ثمارها على شكل حلول بديهية لمشكلات معقدة. فإذا كانت العقبة الاقتصادية الرئيسية في عملية البناء تتمثل في السقف، فإن فتحي قدم الحل لهذه المشكلة الفنية مُسْتَمَدّاً من التراث المعماري العربي و المحلي، فقد كان لاحظ أن القدامى حلوا المشكلة عن طريق الشكل الهندسي للسقف وليس عن طريق استعمال المواد المصنعة الغالية، وذلك بإعطاء السقف شكل قبو ذي منحنى سلسلي، وبذلك تمتنع كل جهود الشد والانحناء والقص، ويقتصرالأمر على جهود الضغط، الذي يتحمله الطوب الأخضر بكل يسر.
وكان حسن فتحي يؤكد على ضرورة أن لا يكون المعماري مجرد مهندس، ولكن عليه أن يتمتع بإدراك الأبعاد المختلفة للبيئة والسكان، تاريخيًّا واجتماعيا وسيكولوجيا وبيولوجيًّا، كما أن عليه أن يهتم بمراعاة مناسبة البناء للمكان (واد / صحراء / جبل) حتى لا يأتي عمله قبيحا وغير متناسب مع البيئة، وكما كان يرفض أن يصبح الطابع التراثي مجرد حلية زائفة في بناء معماري على النمط الغربي.
وأغرم حسن فتحي بالقباب. وكان يرى أن «السقف في البيت العربي هو السماء والسجادة هي الحديقة، والحاشية سياجها والمشربية تستكمل الوحدة بنثر دوائر الضوء على الحضور». لقد كان الفناء في البيت العربي، عنده ، يشكل اتصالا بالسماء، واتصالا آخر بالأرض، فالبيت العربي، عنده، يبدو انطوائيا لأنه يطل إلى الداخل، ولكنه في الحقيقة انبساطي لأنه يستحضر الخارج، على خلاف البيت الحديث الذي يبدو انبساطيا لأنه يطل على الخارج، بينما هو في الحقيقة انطوائي، يعزل الإنسان في داخله الإسمنتي، فلا يرى من الخارج سوى العوادم اليومية.
إن ما اقترحه حسن فتحي هو شكل جديد من المشاركة: من الفقراء عملهم، كما يمكنهم في كثير من أنحاء العالم أيضًا أن يحوزوا بلا تكلفة جوهرية مادة بناء واحدة ممكنة هي التربة التي تحت أقدامهم، وبهذين الشيئين - العمل والتربة - يمكنهم أن ينجزوا الكثير.
و إذ خاض حسن فتحي صراعه مع مشاكل الفقر المدقع، ومع البيروقراطيين فاقدي الإحساس، ومع أناس مليئين بالشك، ومع أناس كئيبين بلا مهارات.. فإنه يكون قد قدم ليس الإجابات وحسب، بل ما هو ملهم أيضا، والحل الذي يطرحه له أهميته على نطاق العالم كله، وفي فكره وخبرته وروحه ما يشكل موردا أساسيا على النطاق الدولي.
تخرج فتحي، المولود عام 1900م ميلادية، من «المهندس خانة» بجامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة حاليا»، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1950م، وجائزة الدولة التقديرية سنة 1969م، وتُوفي سنة 1989م، ولم يكن قد تزوج، غير أنه كان قد أعطى حياته كلها لأفكاره.