عمان- الرأي - للخط العربي مكانته البارزة في تصميم المساجد، ليس فقط لما للكلمة المكتوبة من مكانة في قاموس المفردات المعمارية الإسلامية، بل ولأنها تحقق الحل المثالي للزينة، في الزخرفة الإسلامية التي تقصي الكائن الحي من الرسم؛ هذا بالرغم من أن بعض الرسوم بالخط العربي والنباتات تمثل أشكالا لطيور وحيوانات. كما أن الخط يلعب دوراً بارزاً في تشكيلاته التي تستدعي آيات القرآن الكريم فوق أسطح البلاطات الخزفية، أو الأسطح الحجرية، أو التكوينات الجصية أو الألواح الخشبية.
ويبدو أن شيوع استخدام الخط الكوفي في البداية، جاء لكونه الشكل الوحيد لكتابة الخط العربي. وظل كذلك حتى جاءت الخلافة العباسية، فدخل خط الثلث في التصميمات الحروفية. وتربط بعض الدراسات التحليلية كل ركن من المسجد، بآيات معينة من القرآن الكريم، حيث تشيع آية الكرسي في القباب، وفي المحراب نقرأ:« كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا أو فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب». أما في المصابيح الزجاجية المعلقة، فيتردد استخدام الآية الكريمة: «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يـوقــــد مـــن شجـــرة مباركة زيتـــونة لا شــرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم».و في بعض الأحيان يتم استخدام جزء فقط من الآية نفسها، مثل: «نور على نور» .. أو: «الله نور السموات والأرض». وهناك مقتطف من الآية 185 من سورة آل عمران: «كل نفس ذائقة الموت»، إذا كان المسجد يضم ضريحا.
ويمكن ملاحظة بعض النقوش على أبواب بعض المساجد، التي تتضمن عبارات، مثل: «الملــك لله»، أو «يا مفتّح الأبواب».. وغيرهما. وهذه ليست من القرآن أو الحديث، وإنما هي اشتقاقات يومية من آي الذكر الحكيم، يمكن أن توجد على أبواب المنازل، لكن أصلها قرآني: فالأولى من الآية الكريمة: «لله ملك السموات والأرض»، والثانية من قوله تعالى في سورة الأعراف: «إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط».
ويتميز استخدام الخط في عمارة المساجد بالوفرة في استخدام الأشكال الهندسية في زخرفة المسجد، سواء لصياغة بعدين أو ثلاثة، إما على السطوح المستوية أو المقوسة، وهي الاستخدامات التي تلعب دورا مهما في إخفاء خامات صنعها، فضلا عن أنها تفتح الباب أمام الأعداد والأرقام، التي تمتلك أيضا قيما بلاغية واستعارية مهمة.
لقد أدت كتابة القران الكريم بالخط العربي إلى إعلاء شأن هذا الخط وإجلاله. كما يزيد انتشار الإسلام المتزايد إلى اليوم، من التوجه إلى بناء المساجد، ومن المعالجات المعمارية للخط العربي و طرق استخدامه في العمارة الإسلامية و زخرفتها.
ويذكر أن الآراء ظلت - تتضارب حول أصل الخط العربي ونشأته - إلى أن استقر الرأي بعد اكتشاف بعض النقوش الكتابيةـ التي يعود أقدمهاـ وهو نقش أم الجمال الأول إلى سنة 250 ميلاديةـ على أنه اشتق من الخط النبطي الذي نشأ بدوره من الخط الآرامي. ويعتقد بأن مسار هذا الاشتقاق قد وجد سبيله إلى بلاد العرب عن أحد طريقين أحدهما أو كلاهما - حيث يحتمل أن يكون قد بدأ رحلته من حوران في بلاد الأنباط ثم اتجه نحو الحيرة والأنبار في العراق ومنهما إلى المدينة فالطائف - أو أن يكون قد جاء من البتراء عاصمة الأنباط وسار جنوبا إلى شمال الحجاز فالمدينة فمكة.