خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

يا جنوب انهض.. فالشمس بالباب

يا جنوب انهض.. فالشمس بالباب

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

نايف النوايسة - توقيعات على الدرب ...ادخلت يدي في جوف البيدر وبدأت اسحب سنيني، سنة بعد سنة.. ياه من هذا العمر المجنون، هل أنا هذا الهرم الكابي من الأيام المبعثرة؟
ياه من جوقة السنين
فوق رأسي المنفجرة..
وأمضي وهي تترى أمامي، تسوقني اليها لأراها، ماذا يقول الشقي حين تلقي ايامه القبض عليه؟ يا رب الكون هذي الحياة تجارة خاسرة، حلوها مندس في مرها، ومرها اسفين في الخاصرة..
يا لنفسي من هيجان الذاكرة!
كنت حين حملت اصبعي احفر في الدرب توقيعا للجرح الغائر في جسد الفرح.،. كنت طفلا، ذات يوم قذفني بحر الجنوب الى تيه الحياة، فرحلت مع الفراشات الراعشة من اكتاف الفوالق المسترخية الى سهول الحيرة، افتش عن منفذ فباغتني الفجر، ذات فجر، غير ان الليل اللئيم يترصدني، فأصبحت معلقا بين طفولة مدعاة ورجولة مرتجاه.. وكنت ضائعا.. هذي القبائل تنسبني اليها فتطلق علي اسما، وتلك تدعيني فتكتب لي اسما، وأنا من جعفر الى الظاهر ألون قناديل الحياة، ولا ادري بأي اسم اتسمى، وبأي قبيلة اتغنى!
ذات يوم احتواني الوادي الذي يطوق خصر المدينة، وأنذاك كنت أبحث عن شاربي وصوتي.. كنت مترعا بالبراءة. حملتني المدينة اليها. حضنها دافىء جدا، الا ان الليل اكتشفني بين رمشي المدينة فسحبني ورماني الى الجسر، وقال: انت الآن خارج الكرك.. هيا أركض.. كنت صغيرا جدا، وحينما اصبحت بمحاذاة مغارة العشرة، ضحكت مني فراشات الخوف، فناديت: يا والدي انقذني من قضاة الوادي فأنا ما زلت طفلا بعد..
طرت على جناح القلب اخترق اضراس الوادي المتلوي وبرودة «محنا» وصمت «مؤتة» حتى ألقيت رأسي في حضن «المزار».
يا لروعة جعفر! انه ربان الليالي الساجية.. اضع روحي بين يديه وأنام عميقا.. يا ليتني أظل نائما..
الليل اللئيم لا يدعني طويلا، يهزني بالكوابيس عبر الدروس الشائكة فأحمل توقيعاتي وازرعها على اطاريف هاتيك الدروب.. وأزعم بعد كل توقيع انني ما زلت اعاقر الحياة.. يا لهذه الحياة.. انا ما زلت أركض، وسوط الليل يتعقبني من درب الى درب.. أنا المطرود داخل سنيني.. ما زلت اركض.. اركض.
صاحبة الظل
انزلق الى بطن الوادي، وقلبي يضخ كما السيارة التي تحملني.. وحين رأيت من بعيد حزام برج «الظاهر» خفق قلبي بسرعة.. كم اخشى من هذه المدينة حينما احاذيها.. انا محمول على الخوف وحكايات السائق، لم أكن وأنا احيي «عين الست» اعي ما يقول الرجل.. القلعة تسدل على الوادي ظلها.. وأنادي من صمتي المنداح.. يا صاحبة الظل هوني عليّ، فأنا غارق في حبي وخوفي..
صاحبة الظل تطل بعيونها من شرفات الجبال على عوالم الدهشة وتمشط السنين على جبهتها المسنمة، وترسل بسمتها بتوقيع ميشع الى صفحات العابرين..
هذه السيدة أدمنت المجد، فمدت ظلها على أكتاف السنين.. وأرسلت قصائدها المؤابية
الى حناجر الجنوب
ونادت الصباح من ينابيع الفجر
من ثنايا الشروق
وقالت للمؤابيات ازرعن الربيع والأقحوان
في الدروب..
صاحبة الظل تحملني الى عينيها
تتفحصني وتنفث في فمي من ريقها الحلو، وتدخلني الى محارة روحها، فأفرح..
وتقول: أنت الآن بين يدي دحنون، سأراك كل يوم في عروقي.. فلا تخذلني..
وأمضيت بين عيني سيدتي صاحبة الظل
عاما من رحلة الغزل..
وذات يوم عند الجسر مدت ظلها وطيبت عيني بدموعها وأنا ألوح لها مودعا،
فاحببتها اكثر..
سيدتي صاحبة الظل أنا ما زلت احبك.
عرائس الصحراء
كيسي على ظهري والطريق تمتد من تخوم العمر الى اقصى الجنوب. احمل الطريق وكيسي في عيني وأُيمم صوب الصحراء.. ما توضأت برمل، ولا غنيت لليلى نشيد العشاق.. انا طريد فقر، احتوته المدينة دهرا ثم قذفته مثل نواة تمر، مثل عشيق بدلته ليلى بعشيق.
انا الوحيد، هنا، تلفحني الصحراء بسمومها
وتلتف حول عنقي ألف طريق..
يا سيد الصحراء امنحني برهة من زمن،
فما عدت قادرا على سل سيفي لأقطع اعناق العواصف.. اني مغادر يا سيدي، فبعض الوقت لا يضير عرائسك المغناجة.
تقترب السيارة يحفها السراب ساعة الهجير، ألوح لها والعرائس تتناوشني من ضفاف الطريق.. السيارة كائن خرافي لا تعني الشكوى عندها شيئا.. والسائق مخمور وبالكاد يتهجى الرؤيا..
ارقصي يا عرائس فوق رأسي فأنا كوكب باهت اقضي عقوبتي في فلك التعاسة..
اريد ان اضحك.. لكن حلقي المتيبس منزرع باليباب، فأنادي من قيعان الصمت..
يا جنوب عجل بالأفق، يا جنوب اين اقصاك؟ اني تائه في احشاء التعس.
فتناديني العرائس مقهقهة: يا لسوء حظك، وتضحك..
تتدلى السيارة من قمة الرعب بعد ان فارقتها عرائس الصحراء.. القمة ارجوحة موت تداهم فرحي.. لكنني انا النحس اجد نفسي بين يدي الماء.. البحر صديق قديم ارتاح اليه لحظة، ولكنه عند الهياج يمزق كل قصائد الحب..
السيارة تلقيني في الشلالة...
فأواجه بصراصير الليل واحتمي بصدفة تدعي خشابية..
ألاعبها ساعة على كف النعاس..
لكن عقارب الاستقبال تجوس حولي.. وتندس داخلي جلدي..
وتقرر طردي، فأحمل كيسي وأهيم في الطرقات..
قرأت ذات يوم ان ها هنا تصنع الأمنيات..
ضحكت، وأنا اضع فراشي قبالة احد الابواب، ثم اوسد رأسي حجرا غارقا بالصمت، وفي لحظة كالموت.. يستيقظ من داخلي نداء: يا جنوب لا تمت فيّ.. يا جنوب انهض فالشمس بالباب.. يا جنوب، ها هي الشمس تخدش وجه الليل، وتركب عربة الفجر وتغتسل بالبحر.. يا جنوب انهض فالشمش شمسك وأنا وإياك صديقان.
سطور الاقحوان
انا مخلوق جنوبي حتى وان اغواني الشمال بمغانيه، يأخذني الدرب على كفّ النهار الى بؤرة الضوء.. وافتش هناك - في الشمال - عن نسيم البحر، وعن نسيم البر، فلا أجد الا معلقات تهز الخصر في حضرة الوادي المزكوم.. ولكنني وأنا أعاين صوى الطريق الصحراوي في رحلتي الحارقة في مبتدأ النهار أرى سطر الاقحوان بين «اليادودة» و«زيزياء» يبتسم لي، فعشقت المكان.. وما زال قلبي منذ اربعين عاما يخفق فرحا كلما مررت من هذه المنزلة، واعدها من ميامن الخير..
ومنذ ذاك الحين استقر في وجداني عشق الاقحوان، وردة الاقحوان هي روحي التي اسعى العمر كله لأراها..
في عمق عمان امتزج في داخلي البدوي مع الريفي مع المدني.. فصرت فضاء ضاجا بالأمكنة والمناخات والأشخاص..  وغدوت صيادا ماهرا للحظة الاستئنائية عند سيل المدينة قبل سقفه وبعد سقفه.. اعرف عمان السفلية، وأدمنت رؤية سحن كثير من الشخصيات التي تخرج من شقوق المدينة لتمارس خصوصياتها، من لصوص وشحادين ونصابين ومجانين، ونساء مجنونات وصبية يخفق القلب حين تتشرب العين رثاثتهم.. كنت ابحث عنهم واصطادهم، انهم عالمي الذي يمشي معي وينام معي، ويموت معي.
واحد وعشرون عاما في هذه المدينة، رأيت الموت فيها مرات، وعرفت جبالها جبلا جبلا، وحفظت ادراجها وحواريها وساحاتها القديمة والحديثة.. واتخذت لها في القلب سطرا بهيا كسطر الاقحوان..
انا مشغوف بعمان.. ابتعد عنها مرة ولكني اعاود مغازلتها مرات، انها سيدة متجبرة، احبها ولا انتظر منها بسمة.. وأجمل الحب ان يكون عشقا جنونيا.. عمان لا تعطيك خدها الا اذا عشقتها بجنون..
وكلما لاح برق الجنوب، احمل قلبي فوق سطور الاقحوان واندس في دروبي الى نيرات الحبيب الأول.. انا جنوبي بطبعي غير اني متورط في حب الفرح في كل درب..
اصطياد الشمس
جرتني الشمس وراءها.. اني اركض خلف عربتها حتى شارفت الافق الغربي ورحلت عبر الوادي السحيق الى تشكيلات الضباب الممتد حتى جبال فلسطين.. الشمس توالي انزلاقها وهي في ذات الحين تتشبث باصابع مسجد جعفر.. وفي لحظة تخاتلني فتنفلت من قبضة النهار وتذوب في السديم الزاحف على وجه البحيرة الصامتة.. اين اختفت الشمس؟ كيف غابت؟ يا للدهشة من هذا الاختفاء المباغت!! ادير ظهري للحظة واعتود ادراجي، وانا محمول على سنام الكآبة، ولساني المبلم يردد بصمت: متى تعودين يا شمس؟
وتأتيني الاصداء من جميع الاودية: انا بالباب، سأعود ذات لحظة فانهض ايها العاشق. فأنهض من نفسي الوانية واقول بلا تردد: يا جنوب انهض فالشمس بالباب.. الشمس يا جنوب لا تطيل الغياب..

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF