خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

أسطورة الشاعر المجنون في طبعة جديدة

أسطورة الشاعر المجنون في طبعة جديدة

-
-
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

د.إبراهيم خليل

يضاف هذا الكتاب «ديوان أشعار مجنون بني عامر مع بعض أحواله» الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت (2015)، وبتحقيق الباحثة د.هدى وائل، إلى الكثير من المطبوعات والدواوين المنشورة المنسوبة لقيس بن الملوَّح المعروف بالمجنون، أو تلك التي تذكر بعض أخباره، وتروي نماذج من أشعاره.
فمن بين هذه الكتب «بسْطُ سامِع المسامِر في أخبار مجنون بني عامر»، وهو من تأليف محمد بن طولون (880-954هـ) الذي طبعه ونشره عبد المتعال الصعيدي في القاهرة. ومنها ديوان مجنون ليلى الذي حققه، وطبعه، ونشره، عبد الستار فراج، ويُظَن أنه صدر في القاهرة في العام 1958.
وهناك ديوان آخر من رواية أبي بكر الوالبي طُبع ونُشر في القاهرة في العام 1939 بمقدمة من المرحوم د.زكي مبارك. وهو الديوان الذي أعادت نشره دار النجم للنشر والتوزيع في بيروت من دون تغيير بنقص أو زيادة مدّعيةً أن الديوان يُطبع للمرة الأولى، مع وجود قرائن تدل على أن تلك الطبعة (1994) لا تعدو أن تكون صورة مستنسخة عن الأصل، بدليل المقدمة التي كتبها د.زكي مبارك، فعند صدورها كانت قد مضت على وفاته اثنتان وأربعون سنة (توفي في العام 1952).
ومن الكتب التي تحتفي بشعر المجنون: «ديوان العاشق المحبِّ الوامق قيس بن الملوح الشهير بمجنون ليلى»، وهو من المطبوعات التي تعتمد أساساً على ما رواه أبو بكر الوالبي، وكان قد صدر في طبعة عن دار جلال الدين الحلبي (1300هـ) في مصر، وهي الطبعة التي نوه إليها وأثنى عليها جرجي زيدان في كتابه «تاريخ آداب اللغة العربية».
تُضافُ إلى ما ذُكر مطبوعات أخرى، كالديوان الذي نشره وشرحه د.يوسف فرحات وصدر في بيروت (1992). وديوان «قيثارة المحبين» الذي نشره محمود عاصي. وديوان قيس بن الملوح الذي عنيت بتحقيقه ونشره رحاب عكاوي وصدر في بيروت عن دار الفكر العربي (1994).
كما شرحَ مجيد طراد ديوان المجنون شرحاً جديداً، ونشره في بيروت 1996 بعنوان «شرح ديوان مجنون ليلى» وقدم له بمقدمة قصيرة، وذيّله بترجمة للشاعر مقتبسة حرفياً من كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، وأخرى مقتبسة من كتاب «تزيين الأسواق في أخبار العشاق» للأنطاكي.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن حياة الشاعر ابن الملوح شغلت الكثير من الباحثين، فقد صنف محمود كامل فريد كتاباً بعنوان «مجنون ليلى.. تاريخه وعلاقته بليلى». وعنيت أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة أنقرة د.شوقية أنالجق فاصدرت كتاباً عنه بعنوان «قيس بن الملوح» من منشورات معهد الدراسات اللغوية والأدبية في الجامعة المذكورة (1967).
ومما صدر عن المجنون، الكتاب المشترك لكل من الشاعر البحراني قاسم حداد والفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي. وهو كتاب طريف في 88 صفحة صدر عن مجموعة «أرابسك» (Arabisc) في لندن، والطريف فيه أنه يجمع بين المختارات من شعر الشاعر تقابل كلَّ قصيدة مختارة لوحةٌ من رسم الفنان مستوحاة من النصّ، وبذلك يكون هذا الكتاب تثقيفياً جمالياً أكثر منه تخصُّصيّاً علمياً يميط اللثام عن حقيقة المجنون التي تحيط بها الشكوك، ويكتنفها الريب.
وتقول د.هدى وائل: إن طبعات ديوان قيس بن الملوح -مجنون ليلى- جمة، ذكر بعضها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، وذكر بعضها جرجي زيدان، وذكر بعضها فؤاد سوزكين في كتابه الضخم تاريخ التراث العربي. غير أن آخر هذه الكتب كان باللغة الإنجليزية، وهو بعنوان «الحب والجنون والشعر، مقدمة لأسطورة المجنون» (Love, Madness, and Poetry, An Introduction to the Magnun Legend). وهو من تأليف أسعد خير الله، وظهر في لندن (1980).
وجلّ هذه الطبعات لشعر قيس بن الملوّح، سواء ما كان منها من رواية أبي بكر الوالبي، أو الشيباني، أو ابن طولون، رواياتٌ لا يطمئن لها الباحثون، فالشكوك تساور بعضهم حول حقيقة هذا الشاعر، وهل ظهر فعلاً أم إنه أسطورة أختلقها الرواة، وصاغها الخيال الشعبي واللاوعي الجمعي الذي يستمتع باختراع مثل هذا النموذج مُسْقطاً عليه من المشاعر والإحساسات والعواطف، الكثير مما لا يستطيع الإعلان عنه في الواقع، لأسباب تتعلق بالأعراف الاجتماعية والخلقية والدينية، وهي أعرافٌ وقوانينُ تضطر الأفراد لإخفاء هاتيك المشاعر والإحساسات والعواطف، بخاصةإذا كانت تتعلق بالحب ولواعج القلب.
وانطلاقاً من هذا، تسعى الباحثة د.هدى وائل لإعادة تحقيق أشعار قيس وأخباره، اعتماداً على سبع مخطوطات عثرت عليها وجمعتها من مصادر ومظان مختلفة. ولأسباب تتعلق بدقة التحقيق اعتمدت الباحثة على النسخة التركية، واتخذت منها النسخة الرئيسة التي يرجح ما فيها على غيره عندما تتضارب الروايات، وتختلف.
أما الأسباب التي دعتها لاختيار هذا التدبير فهي: أن النسخة التركية أوفى المخطوطات السبع، وأوضحها من حيث الخطوط، وأقلّها أغلاطاً وتصحيفاً، وأنها بصفة عامة مضبوطة بالشكل (الحركات)، وتخلو خلواً لافتاً من الاضطراب، إلى جانب أنها أقدم المخطوطات تاريخياً.
ولهذا، فالنسخة التركية أصلح المخطوطات السبع، وأكثرها تمثيلاً للأصل، وأقلها عرضة للتشويه أو التحريف.
وقد أهملت الباحثة نسختين من المخطوطات السبع، وهما نسختا طهران، لسبب تراه وجيهاً، وهو ما فيهما من الاضطراب والنقص، وطمس النصوص في بعض المواقع والمواضع. وقد نهضت الباحثة بالكثير مما توجبه أصول التحقيق، فعلاوة على مقابلة النسخة المعتمدة بالنسخ الأخرى لضمان الدقة، سواء في الأخبار، أو في القصائد، قامت أيضاً بإعادة ضبط النصوص بالحركات، وبعلامات الترقيم المناسبة للخبر وللشعر، وقامت بتخريج الأبيات المفردة، والقصائد، بذكر المصادر الأخرى، والمراجع، التي ذكرت فيها علاوة على إضافة زيادات بين معقوفين [ ] لجعل النص المقروء شعراً أو نثراً أكثر وضوحاً ودقة، مع قيامها أيضاً بشرح الغريب، وحوشي الألفاظ ، باعتماد المعاجم.
فضلاً عن هذا كله، اختتمت الباحثة الكتاب بفهارس تحليلية للشعر، وللأعلام، والبلدان (من أماكن ومواضع) والمصادر والمراجع، وهذا كله جهد كبير تستحق عليه الشكر ويتجلى أثره في المظهر العام والأنيق للكتاب؛ فقد جمع بين وضوح الطباعة، والتبويب والترتيب، والكثير من الشروح، والاستدراكات، والملاحظ، والتعليقات، والإحالات، مما يجعل الإفادة من الكتاب إفادة تفوق أيَّ طبعة أخرى.
وبذلك يمكن القول إن أشعار مجنون ليلى، أو مجنون بني عامر، برواية أبي بكر الوالبي، أضحت في متناول الدارسين والباحثين، فضلاً عن القراء المهتمين بشعر الشعراء الغَزِلين، والعشاق العذريّين.
على أن اللافت للنظر في هذا الكتاب ليس الجهود الحميدة والمساعي المشكورة، التي بذلتها المحققة الكريمة، بل هو طبيعة الكتاب الذي يجمع جمعاً نادراً بين الأخبار والأشعار، فهو ديوان ليس كغيره من الدواوين، وهو من هذه الناحية أشبه بالسيناريو المعد للإخراج السينمائي، أو التلفزي.
فالراوي، أو بكلمة أدق، صانع الديوان -وهو أبو بكر الوالبي- يقدم الخبر على القصيدة، فيذكر فيه بعض ما كان من شأن قيس، وعلاقته بليلى، وما عرَضَ له من أعراض، ظنها بعضهم جنوناً وبعضهم ظنها ضرباً من الوَله، والوله غير بعيد عن الجنون.
وبعد تفصيل الخبر الذي يستند فيه لراوٍ غالباً من صنع الخيال، يورد الوالبي القصيدة، التي ترتبط من حيث المضمون بدلالات الخبر التي تلقي الضوء على بعض أحوال الشاعر المدنف. وحين تنتهي القصيدة، أو الأبيات، يبدأ بذكر خبر آخر لراوٍ آخر تجري وقائعه في مكان آخر، ثم تلي ذلك القصيدة.
ومما لا ريب فيه أن الكثير من الأخبار التي يسوقها أبو بكر الوالبي سواء نسبت لهذا الراوية، أو ذاك، موضوعة مصنوعة، ومنحولة غير صحيحة، وهي إلى الخيال أقرب، وإلى الاختراع أنسب. فكأنَّ رواة هذه الأخبار والأشعار يؤلفون هذا السيناريو تأليفاً جماعياً وفي أوقات متباعدة. ومع ذلك تبدو هذه الوقائع متوافقة مع حياة الشاعر (المجنون) وتقلباته، والواقع أن هذا الكتاب لا يحتاج من المخرج التفلزيوني، أو غيره، إلا بعض النظر ليكون بين يديه عمل لا يخلو من تشويق، ولا يشكو من تحريف.
أما ما يدعونا لهذا القول، فهو وقوفنا على قصائد تفصح من منظور أكاديمي تخصصي عن أن المزيد منها، والمنحول، متوافر وكثير، تختلط فيه أشعار الجاهليين والإسلاميين بأشعار هذا العاشق المجنون، وبعض هذه القصائد فُصّلتْ فيها المعاني على مقاس الخبر، فكأن الشعر موضوعٌ ليلائم الأخبار سلفاً. وفي بعضها مبالغاتٌ توحي بتطابق الخبر والقصيدة، وهذا شيء قلّ أن يتفق إلا في القليل النادر الذي لا يؤبَه له ولا يقاس عليه.
علاوة على هذا، تحيط الشكوك بكثير من الأخبار التي يتضمنها الكتاب، ولا يُستبعد أن تكون من افتعال الرواة والإخباريين واختراعهم. فقد تضمن الكتاب خبراً عن جرير (الشاعر المعروف) ذا علاقة ببيت نُسب للمجنون، وهو قوله:
ألا أيها الركب النيام ألا هبّوا    
    أسائلكم: هل يقتل الرجلَ الحبُّ؟
وجاء في الخبر أن الشطر الأول ينم على قائل من الأعراب الممعنين في البداوة، في حين أن الشطر الثاني ينم على خلاف ذلك، فكأنه جالينوس في طبه. والذي يؤكد أن الخبر غير صحيح هو أن «جرير» الذي عاش في القرن الأول الهجري (33-110هـ) لا يُتوقع منه أن يسمع بجالينوس الذي عُرف لدى المترجمين العرب في أواخر القرن الثاني الهجري.
وقد رُوي الخبر نفسه عن عبد الملك بن مروان من غير أن يُذكر فيه جالينوس. ونُسب البيت لشاعر آخر غير المجنون وهو جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة. وذكر ابن عبد البرّ صاحب «بهجة المجالس» في رواية له عن المدائني، أن البيت لأبي جندب الهذلي. وقيل إن الحديث الذي دار حول البيت، وما في مصراعه الأول من دلالة على الخشونة والبداوة، وما في مصراعه الثاني من دلالة تنم على الحضارة والتخنث، إنما كان في مجلس لصالح بن حسان، ولم يؤتَ فيه على ذكر جالينوس.. ومثل هذا الخبر في الكتاب كثير.
صفوة القول إن أخبار المجنون وأشعاره في هذا الكتاب، تقدمان لنا حكاية من حكايات العشق التي يمتزج فيها الحبّ بالشعر، ويندغم فيها الهيامُ بالجنون.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF