محمود الزواوي - يجمع فيلم «ذئب وال ستريت» (The Wolf of Wall Street) بين أفلام السيرة الذاتية والجريمة والدراما والكوميديا السوداء. وهذا الفيلم من إخراج المخرج مارتن سكورسيزي، أشهر المخرجين الأميركيين المعاصرين والحائز على جائزة الأوسكار. وهذا هو خامس فيلم يجمع بين المخرج مارتن سكورسيزي وبطل الفيلم النجم السينمائي ليوناردو ديكابريو، وهما منتجان مشاركان بين منتجي الفيلم.
يستند سيناريو فيلم «ذئب وال ستريت» للكاتب السينمائي تيرينس وينتر إلى كتاب يحمل العنوان نفسه من تأليف سمسار الأسهم المالية جوردان بيلفورت صدر في العام 2008. ويشتمل الكتاب على مذكراته وصعوده من خلفية متواضعة إلى سمسار ثري يعيش حياة البذخ والرفاهية، وانحداره إلى عالم المخدرات والجريمة والفساد والاحتيال على المستثمرين في سوق المال وال ستريت بمدينة نيويورك، والحكم عليه بالسجن، ثم تحوّله إلى مؤلف كتابين صعدا إلى قائمة أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة وإلى متحدث مطلوب في المؤتمرات العامة.
الشخصية المحورية في قصة فيلم «ذئب وال ستريت» هو، بطبيعة الحال، سمسار الأسهم المالية المحتال جوردان بيلفورت (الممثل ليوناردو ديكابريو)، الذي تحوّل في سن السادسة والعشرين إلى رجل ثري يملك ملايين الدولارات وأسس شركة «ستاتون أوكمونت» التي زادت قيمة أسهمها على المليار دولار ثم بلغت خسائرها في نهاية المطاف 200 مليون دولار. وانزلق جوردان بيلفورت في عالم الجشع والفساد والفجور، ووقع ضحية لتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وانتشرت فضائحه المالية قبل أن يحاكم في العام 1998 بتهمة الاحتيال والتلاعب في سوق الأسهم، وقضى 22 شهرا في السجن وحكم عليه بدفع غرامة قدرها 110,5 مليون دولار كتعويض للمساهمين في الأسهم الذين احتال عليهم. وبعد عدة سنوات أصدر جوردان بيلفورت مذكراته في كتابين انتشرا في نحو 40 دولة وترجما إلى 18 لغة. وأصبح جوردان بيلفورت بعد ذلك متحدثا تحفيزيا في المؤتمرات، يؤكد في خطبه على ضرورة أن يكون عبرة للأغنياء والفقراء على حد سواء، لكي يتعلموا من الأخطاء التي ارتكبها.
يركّز فيلم «ذئب وال ستريت» على رسالة أخلاقية تؤكد على الأثر السلبي لحب المال على حياة الناس، وما قد يشتمل عليه من جشع وغرور واعتداد بالنفس. ونرى كيف أن طمع بطل قصة الفيلم جوردان بيلفورت في الحصول على المزيد من المال يقوده إلى عالم الفساد والاحتيال. ويقدّم الفيلم دراسة واقعية لسلوك وثقافة مرحلة زمنية معينة في أميركا تتعلق بما قد يحدث من مشاكل في عالم المال، ويطرح الفيلم أسئلة أخلاقية تتناول صورة مبكرة تنبىء بالأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. كما يعالج الفيلم مشكلة الإدمان على المخدرات. ويشتمل فيلم «ذئب وال ستريت» على رحلة تستعرض حياة سمسار الأسهم جوردان بيلفورت وصعوده وانحداره في عالم المال ودخوله السجن، بأسلوب واقعي مثير يلقي الضوء على هذه الشخصية المعقدة بكل تفاصيلها. ويجمع هذا الفيلم بين العديد من المقومات الفنية كقوة الإخراج على يد المخرج مارتن سكورسيزي، في واحد من أقوى أفلامه، وأداء ممثلي الفيلم، وفي مقدمتهم الممثل ليوناردو ديكابريو في واحد من أقوى أدواره. كما يتميز الفيلم بسلاسة السيناريو وبراعة التصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية وسرعة الإيقاع وعنصر الإثارة والتشويق الذي يستمر طوال عرض الفيلم الذي يستمر ثلاث ساعات. ويستخدم الفيلم أسلوب قيام بطل قصة الفيلم بمخاطبة نفسه ومخاطبة المشاهدين وشخصيات الفيلم الأخرى، ويتخلل ذلك مزيج رائع للصوت والصورة يتميز بالمونتاج المحكم.
عرض فيلم «ذئب وال ستريت» في مهرجان بالم سبرنجز السينمائي الدولي. ورشح الفيلم لخمس وخمسين جائزة سينمائية وفاز بثلاث عشرة منها. وبلغت إيرادات الفيلم في دور السينما الأميركية 34 مليون دولار خلال الأيام الخمسة الأولى لعرضه، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 100 مليون دولار.