لطالما أثارت «اليمامة» اهتمامي وفضولي، كمكان عربي جاهلي قديم، لتقاطع العديد من خطوط الأساطير العربية القديمة فيها.
فهي مستودع أسرار، ومسرح ممتد لأسطورة «زرقاء اليمامة»، وعلى أرضها استقرت أساطير «طسم وجديس» وحروبهم وتاريخهم. كما أنها كانت المقر لمملكة «كندة» العربية، في القرن الرابع الميلادي، وفيها جرت أعتى حروب الردة، عندما خرج فيها «مسلمة الحنفي» المعروف في التاريخ الاسلامي بـ»مسيلمة الكذاب».
فاليمامة إذن، هي اسم قديم لأحد أقاليم الجزيرة العربية، المعروفة حالياً باسم «نجد». وهو يقع في قلب الجزيرة تقريباً، ويشكل ثلث جنوبها الشرقي، ويأخذ شكل «هلال» يدير تجويفه نحو الغرب، ويضم «القصيم» في أقصى شماله «ووادي العقيق» في أقصى جنوبه. أما اليمامة، فتقع في أقصى استدارته الشرقية.
وقد استمد الإقليم اسمه من قرية فيه هي «جو اليمامة» وفي الجاهلية، كانت أهم حواضر الإقليم حتى قرون الاسلام الاولى هي «حجر اليمامة»، وهي التي أقيمت على أراضيها مدينة «الرياض» الحديثة، عاصمة المملكة العربية السعودية، فاليمامة، في تلك الفترة، كانت المصدر الرئيسي للحنطة، الذي تتزود منه مكة والطائف بحاجتهما منه.
وفي مطلع العصر الأموي، أقامت فيها طائفة من الخوارج دولة، وبسطت نفوذها وسيطرتها على «القطيف» عاصمة اقليم «البحرين»، إلا انها سقطت سريعاً، وعادت لتتبع الى البحرين، كما قامت فيها الدولة «الأخيضرية»، نسبة الى الأخيضر، التي قضى عليها القرامطة، وبعدها، دخلت منطقة اليمامة في عالم النسيان والعزلة لقرون طويلة، ليطغى عليها اسم «نجد» في تلك الفترة، بدلاً من اليمامة. ونجد ايضاً اسماً قديماً، كان يطلق على الهضبة المجاورة للحجاز من الجهة الغربية.
وعلى مستوى التسميات الجغرافية، التي تشكل اليوم أساساً ومصدراً للعديد من الابحاث والدراسات الدينية والتاريخية والميثولوجية، فإن إقليم اليمامة يزخر بالعديد من التسميات، التي تشكل بحد ذاتها مستودعاً للأساطير. فهو يضم «جبل طويق» او «العارض»، الذي يزيد طوله عن ثمانمائة كيلومتر، ممتداً من القصيم الى وادي الدواسر واطراف الربع الخالي. ومن سفوح جبل طويق، تنحدر أودية زاخرة بالتاريخ والأساطير، لعل أهمها «وادي حنيفة»، الذي تقع بقربه الآن مدينة الرياض. وفي العصر الجاهلي، تركزت حواضر الإقليم حول جبل طويق، وبالقرب من الأودية المنحدرة منه. وظل الى اليوم يحمل اسم «عارض اليمامة»، الذي يضم الآن مناطق: الرياض، الدرعية، والعيينة. كما أن الجبل يشكل حاجزاً بين «قرى سدير» في الشرق، و»قرى الوشم» في الغرب.
وفي أسفل ذلك الهلال، توزعت طرق التجارة الدولية القديمة، وامتدت طرق المحاربين، التي حملت على ظهورها أدياناً وأساطير ومصالح، ودارت حول الهلال. والى جنوبه الغربي، تمتد تجربة الدكتور كمال الصليبي المثيرة، حول أسرار وخفايا التوراة في عسير وتهامة وبلاد «يام»، والى الجنوب منها «صعدة» اليمنية وجوارها ووعورتها، التي انفجرت حرباً دامية قبل أشهر. للجزيرة أسرارها، ومستودع أساطيرها، ولعل اليمامة مفتاح تلك الأسرار وقفلها أيضاً، غير أننا لم نجتهد بعد كما ينبغي.