عمان - حسين النشوان - يسعى الفنان التشكيلي فادي الداود إلى اجتراح خط جديد على مساحة القماشة التي يختار الموسيقى موضوعاً لها، مازجاً بين الفنون البصرية والموسيقية في أعماله التشكيلية الأخيرة التي عرضها في جاليري وادي فينان.
من خلال نحو 30 لوحة يكتشف المتلقي الرابط الذي حمل الفنان إلى الموضوع باختيار الأسلوب والشكل، مستعيداً تراث الحضارة العربية الإسلامية من خلال الخط، واللون، وهما التعبيران الحسيان والرمزيان للضوء.
في الرحلة التي بدأها مبكراً عندما أقام معرضه الأول بدعم من والده وصديقه خلدون الداود، مؤسس رواق البلقاء وسادنه، كان الفتى يتلقى تعليماً على أيدي فنانين عرب مشهورين أكملوا اختيار أسلوبهم وملامحهم بتجارب ضارعت العالمية وتركت أثرها على ملامح التجربة التشكيلية في عدد من البلدان العربية.
ولحب قديم للموسيقى التي يكون مصدرها الروح، تشاكل مع جورج بهجوري في خطوطه المتصلة وألوان فرغلي عبد الحميد الشفافة والمتراصفة، ليدلف إلى عالم الصوفية في وعيها للفن الذي يقوم على الحركة والسكون، والدائرة والخط والمربع والمثلث كأشكال ترميزية ودلالية.
لوحات الداود تشبه أعراس الموسيقى المسكونة بالبهجة والأمل الذي يتأمل الحياة والكون، ويستجيب للحظة الراهنة الذي تجلى في التقاطه لموضوع الحراكات العربية التي عبر عنها برمزيات الجياد والخيول والسيد المسيح وهو يعمد الشهداء، لكنه لا يتوقف عند تفاصيل الواقع، بقدر ما يسعى إلى اختزال دلالة اللحظة التاريخية جمالياً.
يقترح الفنان من خلال معرضه الجديد أسلوب جديد يتسم بالحداثة والأصالة التي تستعير فنون النسج والتطريز الخطي، وتقنياته التي لم تطرق سابقا بتحزيمات وتراصفات ممتدة وغير منتهية، لإيمانه بلا نهاية المدى والفكرة، وأيضاً الحرية.
في تلك الجدلة الخطية ينهل من أس الفن العربي الإسلامي الذي يقوم على تركيبية الفن الزخرفي الذي يتأسس على الخط المستقيم وملء الفراغ، لكنه يضيف إلى تلك القناعة الأبعاد المنظورية التي تمنح العمل مستويات المعاينة، بخلاف الفن الإسلامي الذي يقوم على البعد الواحد.
يختار الفنان الألوان الطبيعية التي تقع بين الأزرقيات والترابيات وتدرجاتها، ويقطعها بالخطوط المستقيمة للتغلب على الخلفيات، وفي معالجاته للجموع أو الكتل الفردية في اللوحة، فهو يلجأ إلى الحركة التي تمنح اللوحة حياتها الراهنة وحيويتها وحكايتها.
في أعماله الجديدة التي يعرضها في جاليري فينان يبحث الفنان عن طاقة الخط كمكون أساس للشكل والإيقاع والمعنى أو التجسيد، فيبدأ بالخط المجرد عبر حزم وجدلات متجاورة للوصول إلى الشكل الذي يبقى رهين احتمال التوالد لامتدادات لا نهائية ، وأشكال كثيرة.
في المعرض الذي اشتمل على نحو 30 لوحة تنوعت بين رموز الفن الموسيقي والرقص الصوفي اكتشف الفنان أن اللوحة تشبه ولادة الكائن، تبدأ بالخلية الأولى، وهي الخط، ثم تكتسي بتراصفات أخرى تنبئ عن الهيئة وتمنح الحركة أو تمثل السكون.في لوحاته التي تقع بين ألوان السماء والصحراء وتتوشى بالرموز التراثية التي تتصل بالنسيج والتطريز يكمل الفنان أو يكشف الفنان عن مرجعيته الشرقية التي تنتمي للمقطع الأفقي الفرعوني والسطح الواحد الإسلامي وجماليات التكرار البصري الذي أسس له الواسطي برؤية الساق في جملة من المسافات المرتعشة التي تدل على الحركة، وهو ما فعله الفنان الداود في حركة يد العازف وعدد الأصابع التي زادت عن الخمس بدلالة الحركة، وليس مطابقة الواقع.
ربما تكون المعالجة التي تتصل بالحركة ليست جديدة، غير أن وقوعها في سياق التجربة ومرجعياتها العربية الإسلامية ونزعتها الصوفية وتشابكاتها البصرية السمعية وانفتاحها على المدارس التشكيلية الحديثة، هي التي تمنح التجربة جدتها ومغامرتها الجمالية بما تضيف لوظيفة الخط ونواته من حركية وانفتاح يتوازى مع فكرة التكرار الذي يشكل أيضاً أبرز جماليات القصيدة، بإيقاعها وتسطيرها وتوالداتها، بالمعنى الذي يمنح العمل الحيوية والراهنية الزمنية.إن أهمية الفن تكمن في راهنيته وحيويته ولغته، التي تنطلق من مكوناته الأساس لبناء الشكل والنزوع إلى المعنى، إن فاعلية الفن الجمالية لا تتوقف عند الموضوع على أهمية ذلك، بل تتصل بالمعالجة التي ذهب فيها الفنان الداود إلى نواة التعبير من خلال الخط الذي يمثل سلسلة غير متناهية من النقاط، ليكون الخط هو (الحرف) المكون لأبجدية اللوحة في تعبيرها عن الموضوع بالتشابك مع وظيفة الفن وسعيه لتطوير أدواته وأسلوبه، وهي الحالة التي تتيح للفنان رصد مراحل تطور التجربة باكتشاف وسائل جديدة للتعبير، تضارع التحولات التي تمس الظواهر الكونية الإنسانية.
يشار إلى أن فادي الداود الذي أقام عدداً من المعارض الشخصية، تفتحت موهبته مبكراً، وأقام معرضه الأول وهو ما يزال طفلاً، أتم دراسته الأكاديمية في الفنون، وقبل ذلك تعلم الرسم و تتلمذ على يد العديد من الفنانين العرب أمثال: حسين بيكار ، فرغلي عبد الحفيظ ، جورج البهجوري.شارك في عدد من المعارض الجماعية، منها: «Blue Fig» بعمان 2002، المعهد الثقافي الفرنسي، صالة نيويورك في أميركا 2005 من معارضه الشخصية: دار المشرق 2003، (الليلة الكبيرة) دار المشرق 2004، صالة عشتار، دمشق 2006.