عمان - محمد العامري - ما الذي قاد الكثير من الناس للتورط في ممارسة الرسم أو احتلال تلك المنطقة المقدسة دون أدوات أو معارف، ما الذي قاد هؤلاء لتدنيس القماش، وهم خارج سياقاته الأدائية والمعرفية تماما كمن يقتحم بحرا ولا يتقن العوم هكذا نشهد كثير من المحاولات الفاشلة في العروض التشكيلية الاردنية التي أصبحت جزءا من الموضة والبريستيج، بل أصبحت منطقة الفن عتبة للوصول إلى موقع اجتماعي أو وظيفي عبر التغرير بالبسطاء من الناس واستدراجهم إلى مناخ الحكاية في الوهم الذي يصنعونه على القماشة وفي التخبيص اللوني الذي لوث اعيننا، فهناك حكايات تنسج على هامش لوحات ساقطة فنيا من باب اصطياد عاطفة المشاهد .
إنها المساحة الملقحة بالغبار والصحراء التي باتت يبابا من الخطوط فحين نذهب إلى أفيد في مسخ الكائنات أو في ( فن الهوى ) سنصطدم بنصوص معرفية هائلة إلى جانب تخطيطات الفنان العبقري بيكاسو الذي حبر تلك النصوص برسومات أسطورية تكشف عن مهارته في موسقة الخط والسيطرة عليه فما كان من النصين إلا أن ارتفعا إلى الأعالي ليشكلا ذروة بصرية وكتابية ، ذروة القوة في التعبير الشعري والبصري .
بينما نرى إلى الذين يقتحمون التجريد اليوم تحديدا في الأردن أو الهاربون من التخطيط اقصد مفاهيم الرسم (drowing) فكراساتهم فارغة من الخطوط كأنهم يخافون الرصاص ، اقصد قلم الرصاص الذي يكشف عيوبهم المختبئة تحت غطاء الألوان المتراكمة على قماشة اتسخت بهواجس غير أصيلة .
أذكر أني شاركت في رحلات فنية في الأردن مع مجموعة من الفنانين الأردنيين ، كانت كراسة الرسم وأقلام الفحم والرصاص دائما بحوزتي فحين كنت أدعو بعض المشاركين للرسم والتخطيط كذكرى لتلك الرحلة ، كنت دوما اصطدم باعتذار أكثرهم لعدم قدرتهم على الرسم ، ففي كل مرة افشل في اصطيادهم للوقوع في حالة الرسم المباشر ، بل أراهم يهربون إلى السرد والثرثرة عن فن لا يعرفونه ، يهربون خوفا من كشف عوراتهم الفنية ، خوفا من ارتجاف أيديهم أمام الورقة البيضاء ، يختبئون خلف رؤسائهم ومؤسساتهم التي تسهم في ستر عوراتهم الثقافية ، والأدهى والأمر من ذلك أنهم يخربون أجيالا متقدمين عليهم في اللغة الفنية بحجة الشهادات العليا التي لا تنتمي إلى فعل الفن فقد تركوا البحوث النظرية وتورطوا في تقديم أنفسهم في مناخ اللوحة فقد غابت اللوحة وكذلك البحث ايضا .
هي حالة القرن الواحد والعشرين الذي سلط على ساحاتنا الثقافية كائنات مثل هؤلاء بل نصبوا أنفسهم كحراس بوابات لانفعالات الفنان الحقيقي والذي شكل فوبيا مرعبة لهم ولوجودهم ،
ففي كل مرة التقي مع أصدقاء فنانين من دول أوروبية وعربية،وحين يكون الفضاء حرا ومنتصرا للقيمة الفنية والمصارحة الثقافية الرواقية يتم الكشف عن الزيف الثقافي ومدى تأثيراته السلبية على المناخ العام من خلال خرائط المصالح الضيقة التي أسهمت في إنتاج الزيف المعرفي وتداعياته السرطانية .
كان السؤال المحوري عن الساحة الأردنية يتمثل بالغياب عن المحافل الأوروبية والعربية المهمة أين انتم ؟!!!!!!
والسؤال الاخر أين الرسم في الأردن ، هنا لا ننكر وجود مثل مهنا الدرة وعزيز وحسني ابو كريم ومحمود صادق وآخرين تكونوا ضمن منظومة العمل الفني الجاد لكننا نصطدم بآخرين يدعون ذلك ، ويتسيدون المشهد باسم التشكيل الأردني ، بل يحاولون تقييف المشهد بما يوائم أحلامهم الصغيرة كي لا ينكشفوا أمام الآخرين .
سؤال خطير ومهم فأين هي تلك المؤسسات التي تؤسس لحالة ثقافية تعكس من خلالها الوجه الحقيقي للساحة الفنية في الأردن بعيدا عن تبني مجموعة من الأسماء البائسة المرفوضة من الغاليرهات الخاصة هؤلاء هم الذين يمثلون الأردن في معظم الأحيان وهذا الأمر يترك انطباعا سلبيا عن الساحة ومستوياتها الفنية فقد سئلت أكثر من مرة من قبل أساتذة في تاريخ الفن يقيمون في نيويورك عن الأسماء الأردنية التي يعرفونها ولم أجد جوابا لهذا السؤال .
وهذا الأمر حدا بالمثقف الرواقي أن ينتهج طريقا آخرا ليقود وبشكل مواز خطابه للعالم من خلال الفعل الثقافي بعيدا عن البروتوكولات الرسمية خوفا من التدجين .
فالعورات الثقافية كثيرة في الفن والشعر كذلك ،وسؤالي لهؤلاء الذين يرشقون الألوان على طهارة القماشة البيضاء هل يستطيعون تخطيط فنجان قهوة لنشرب من تجاربهم إنهم دائما عطشى لذلك الفنجان الذين يحلمون برسمه ويفشلون تماما .
إن تلك المسألة أصبحت تؤرق الذين يكتبون تاريخ الفن خاصة الكتاب العرب لا الكاتب الأردني كونه مقيدا بكتابته ولا يستطيع الإفصاح عن الخراب البائن بينونة كبرى .
فقد شاعت التجريديات الملفقة لتصبح هوسا استثنائيا واذكر معرضا أقيم في غاليري 14 كان موضوع المعرض ( تخطيط ) أو اسكتش لنواجه باعتذار كثير من الفنانين عن المشاركة ، نعم هربوا من المشاركة كون المعرض يخص التخطيط والرسم بالأحبار والرصاص وهذا مثال بسيط على ذلك وهناك أمثلة كثيرة فقد سبق لي وان كتبت مجموعة من النصوص عن دفاتر الفنانين وتفاجأت بنأيهم عن الدفتر وقلم الرصاص ولم أجد في حقائبهم تخطيطا إلى جانب الخلط بين الدراسات العليا في الجوانب النظرية وكلمة الفنان، فمن باب الأولى أن ينتبهوا لبحوثهم النظرية ويسهموا في الحياة الثقافية ممن تعلموه كنظريات تاريخ الفن لأنهم بعيدون عن الرسم فقد تركوا دراساتهم النظرية ليصبحوا فنانين آتين منطقة بائسة .فهناك خلط بين من درس التصوير وبين من قدم دراسته بالنظريات فمن الطبيعي إذن أن لا نجدهم يقتحمون التخطيط ليهربوا إلى العاب لونية في الغالب تسقط في العروض المحلية .
ويذكرني ذلك بما ذهب إليه كلودايل في حديثه عن الاغتراب في الفن فهؤلاء لا علاقة لهم بالمادة التي يعملون بها مما أنتج لديهم حبا غرائبيا في الانتقام من الأخر والذات بل دخلوا في تطاحنات افرغتهم من محتوى الفعل ذاته فأصبحوا لا يسمعون إلا أصواتهم الداخلية كونها مليئة بالصدى كونها فارغة أشبه بطبل اشبع ضربا لزيادة حماسة الجنود في الحرب ففعل الانتصار خارج الطبل تماما لذلك لا نجد طبلا يمتطي حصانا . فالصوت دائما خلف الفارس .