عبدالله حجازي - أي رحمة تكون. في السماء ام في الارض .. في الحياة ام في الحياة الآخرة.. بين الله تعالى وخلقه، ام بين الانسان والانسان.. ام بين الانسان وغيره من مخلوقات الكون، أي رحمة كانت او هي كائنة او ستكون انما هي بعض من «رحمة الله تعالى» التي حين جعلها الله تعالى ان تكون «وسعت كل شيء» فاضت حتى لم يكن هناك من «شيء» خارج دائرتها، وحيثما وردت «رحمة» او مشتقات «رحم» في النص القرآني، فان الدلالة لا بد ان تنصرف هنا الى «رحمة الله تعالى» سواء اشار النص القرآني الى ذلك بصراحة واضحة ام جاء ذلك ضمناً يجب ان نستكشفه او دلالة يجب ان يحملنا النص اليها، هكذا فان «تجليات» لفظة «رحمة» بقيت على اتساع لم تقدر ان تحيط به محاولات بيان الابعاد التي جاءت عليها «الرحمة» في القرآن..
وحين نقف عند الرحمة كما وردت في النص «وجعل بينكم مودة ورحمة» والذي جاء بيان لاستدلالات حملتها الآية الحادية والعشرون من سورة الروم، نجد ان النص كما جاء عليه وصولاً الى «مودة ورحمة» جاء بتفاصيل عميقة وعديدة كانت اضعاف اضعاف ما جاءت عليه الصيغة من كلمات شكلت هذه الآية الكريمة التي تحدثت عن واحد من افضل واعظم اعمال حركة حياة الانسان «الزواج» هذه الحركة التي عليها بنيت استمرارية الحياة بعد ان بها بدأت.
«ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
بداية.. هذا النص وحين ننظر الى خاتمته نجد انه يدعو الى «التفكر» فهو قد جاء بمواقف وفصلها وابان حيثياتها كي يتحدى اعمال الفكر في ذاتنا، وهذا تحد حمل في طياته معطيات ولدت من حقائق الواقع الذي يعيشه كل فرد منا، ثم تأتي اللحظة لتحويل هذه المعايشة الى واقع المعيشة حين يكون الزواج الذي هو قاعدة الحياة حين يقوم على اصوله، ويسقط الحياة في بئر العيش حين يخرج عن هذه الاصول اياً كانت اشكال هذا الخروج.
وحين اراد الله تعالى بداية لهذا النص، جاء بنص من النصوص «القواطع» في الدلالة على الاعجاز الذي لا يقدر عليه الا هو سبحانه، فهو صنع الشيء، ثم جاءت الصنعة على شكل ان جعلت منه آية، اليس الزواج آية ودلالة اعجازية في اطار احد قوانين الحياة، كامل امتدادات الحياة هو آية جاءت من بين آيات الله العديدات لكنها تميزت هنا حين كان «الزواج» بأن كان الزواج الآية هذا، ذو مواصفات خاصة، خارج اطار القدرة الانسانية بأبعادها الآنية والمستقبلية، والا كيف يمكن ان نقدر على انتاج سكن ومودة بين انسانين اختارا العيش معاً، الا اذا كان ذلك عبر معجزة خارج اطار قدرة البشر، ليس هذا فحسب، بل جاءت القيمة المضاعفة وليس المضافة على هذه المعجزة انها «الرحمة» هذا العطاء الذي اختص به الله تعالى ولم ولن يقدر عليه غيره .. والله اعلم..