رشا الكساسبة - يعد فيلم (الكيت كات) تحفة سينمائية يسعد المتلقي بمتعة مشاهدتها كل مرة ، فالعمل ليس بالفيلم السينمائي العادي، فعلى الرغم من مرور سنوات على عرضه, الا أنه حظي بمكانه خاصة في خريطة السينما المصرية والعربية.
فهذه النكهة المصرية الساحرة التي تبدأ من شخصية الشيخ الضرير (حسني) والتي تبقى عالقه في ذهن المشاهد الى ما بعد انتهاء الفيلم، حيث تستحوذ على مجرى الاحداث طوال فترة الفيلم وهو ما يجعل المرء يعيد النظر في ثوابت الحياة ، نظرا لتلك المتعة البصرية والذهنية والعقلية التي ادى فيها الممثل المصري محمود عبد العزيز دور شخصية الشيخ (حسني) التي كانت محورا للاحداث الرئيسية بالفيلم.
يكمن وراء الصدى الايجابي لفيلم (الكيت كات) الذي جعله يتبوأ مكانته اللائقة في كلاسيكيات السينما المصرية، عوامل عديدة منها: عبقرية (داوود عبدالسيد) في صياغة الحكاية الشعبية البسيطة المستندة على رائعة الروائي المبدع ابراهيم أصلان وروايته الشهيرة (مالك الحزين) عن حكاية بسيطة، لكن لمسات (داوود) اضافت نكهة فلسفية عميقة للعمل , فجمع العديد من المفاهيم داخل قلب الحي الشعبي (الكيت كات), مثل العجز , الامل ,الموت,الحياة , الارادة , التغيير, وعرض المسافة الكبيرة بين رغبات الانسان وقدراته المحدودة وكل ذلك في قالب الحكاية الشعبية.
اشتغل عبد السيد كثيرا على مكونات شخصية الشيخ حسني ذلك الرجل الذي فقد بصره منذ طفولته , ويسكن في داخله فيلسوف وانسان حالم وطفل متعلق بالحياة , ولا يرضى ان يعترف بأنه فقد البصر , ويخبئ داخله أحزانه ويسعى دوماً لرفض الواقع والهروب منه مع أصدقائه بالسهر وتعاطي الممنوعات, والعزف على العود الذي ورثه من أبيه, وكأنه يريد ان يحرر جسده العاجز وليحلق بعيدا في رغباته وشغفه بالحياة.
جاءت الاسلوبية الاخراجية لداوود عبدالسيد عبر توظيفه المتين والمتقن من حركة الكاميرا والديكور واختيارالممثلين, وهو يقدم مواقف متباينة بين الدعابة والفرح وقتامة الحال والفقر والحزن كما ابدع في توظيف الادوار الثانوية حيث الاداء والملابس وروح الشخصية لدى الممثلين نجاح الموجي وشريف منير .
حملت الموسيقى التصويرية للفيلم التي ابدعها (راجح داوود) في طياتها روح العمل نفسه, فكثيراً ما استوحت حزن كبير ولمسة كئيبة صورت ملامح الحي الشعبي وهموم من يسكنوه على اختلاف مشاكلهم , وكأنها تقول أن الواقع مؤلم ومظلم لكن الأمل موجود رغم كل شيء.
ففي مشهد الموتوسكل بدأت الموسيقى مرحة تترافق مع ضحكات الشيخ حسني الضرير , ثم أخذت مسلكاً متأملاً لشعور وما يحلم به الشيخ حسني بالطيران والانطلاق من الواقع, فتناغم المشهد مع الموسيقى أعطى سيمفونية لافتة في الجمال والابداع .
باختصار , ان مفردات وعناصر الفيلم الجمالية والدرامية اجتمعت سوية وأعطت توليفة ابداعية ساحرة , بحيث تولد الاحساس لدى المتلقي بانه يتوجب عليه اعادة مشاهدته تلو الاخرى، بغية أكتشاف عوالم جديدة، انه باختصار واحد من بين الافلام القليلة التي تعلق في الذاكرة طويلا .