محمود الزواوي - فيلم «كرة المال» (Moneyball) هو ثاني فيلم روائي طويل من إخراج المخرج بينيت ميلر بعد فيلم السيرة الذاتية المتميز «كابوتي» (2005) المتعلق بالكاتب الأميركي ترومان كابوتي. ويشتمل الرصيد السينمائي لهذا المخرج أيضا على الإنتاج والتصويرالسينمائي.
يستند فيلم «كرة المال» إلى سيناريو اشترك في كتابته الكاتبان السينمائيان المتمرسان ستيفين زيليان وأرون سوركين، مبني على قصة للكاتب السينمائي ستان شيرفي، والقصة مبنية بدورها على كتاب بعنوان «كرة المال: فن الفوز بلعبة غير منصفة» للكاتب مايكل لويس صدر في العام 2003.
تستند قصة فيلم «كرة المال» إلى أحداث حقيقية تتعلق بفريق رياضة البيسبول للمحترفين في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا. وتركز قصة الفيلم على التعاون بين المدير العام لهذا الفريق وخريج حديث من إحدى الجامعات الأميركية المرموقة في استخدام الحاسوب للحصول على البيانات الإحصائية المتعلقة باختيار لاعبي فريقه والإنجازات العظيمة التي يحققها هذا الفريق نتيجة لذلك على أرض الملعب.
هذان الشخصان هما الشخصيتان المحوريتان في قصة فيلم «كرة المال»، وهما بيلي بين (الممثل براد بيت) المدير العام لفريق البيسبول، وهو شخص بدأ حياته الرياضية كلاعب في فرق البيسبول من الدرجة الثانية قبل أن يتحول إلى العمل الإداري والتدريب، وهو شخص تستحوذ عليه الرغبة بالفوز. وكان في العام السابق قد قاد فريق مدينة أوكلاند إلى مباريات البطولة القومية في البيسبول (World Series) قبل أن يخسر الفريق البطولة ويفقد ثلاثة من لاعبيه البارعين الذين تعاقدوا مع فرق أخرى بأجور أعلى. كما نتعرف على هذا الشخص كرجل مطلق تربطه علاقة حميمة بابنته.
والشخصية المحورية الثانية في الفيلم هو الشاب بيتر براند (الممثل جوناه هيل)، وهو خريج حديث من جامعة ييل الشهيرة. وقد توصل هذا الشاب عن طريق البيانات الحسابية باستخدام الحاسوب إلى تحليل دقيق مبني على التكاليف والأرباح للاعبي البيسبول المحترفين. ويقنع الشاب بيتر براند مدير عام الفريق بيلي بين باختيار لاعبي فريقه استنادا إلى الإحصاءات الرئيسية المتعلقة بأدائهم في اللعب والتي تفرز اللاعبين الماهرين المغمورين عن طريق استخدام الحاسوب. ويعمل الاثنان على تشكيل فريق جديد بتوفير كبير في التكاليف. ومع أن هذا الفريق بدا ضعيفا بادىء الأمر، إلا أنه أثبت كفاءته خلال الموسم الرياضي وفاجأ الكثيرين بالنجاح الكبير الذي حققه وبعدد المباريات التي فاز بها، مؤكدا صحة نظرية الشاب بيتر براند.
وأثبتت هذه النظرية بالإحصاءات الدقيقة والموثقة أن ما يبحث عنه المستكشفون الذين يمثلون الفرق الرياضية خلال جولاتهم للاطلاع على أداء لاعبي الفرق الأخرى واختيار الأفضل منهم للتعاقد مع فرقهم لتحسين مستواها ليست هي المعايير الأفضل للفوز بالمباريات الرياضية. وقد بدأ فريق البيسبول بمدينة أوكلاند بخسارة 11 مباراة متتالية في الموسم الرياضي للعام 2002، إلا أنه تمكن بفضل تطبيق نظرية بيتر براند وضم لاعبين جدد من تصحيح الوضع وتحسين أدائه والفوز بعشرين مباراة متتالية، مسجلا بذلك رقما قياسيا في تاريخ مباريات البيسبول للمحترفين في الولايات المتحدة.
ومع ذلك فإن بيلي بين يواجه مقاومة شرسة من مدرب فريقه آرت هاو (الممثل فيليب سيمور هوفمان) المعروف بعناده، والذي يشعر بأن خبرته الطويلة في البيسبول أهم بكثير مما يعتقد بأنها نظريات وهمية، ويتهم المدير العام للفريق بالخضوع لتأثير شاب غر عديم الخبرة.
فيلم «كرة المال» ليس فيلما رياضيا تقليديا، مع أن الرياضة موضوع رئيسي في قصة الفيلم. إلا أن القصة أعمق من ذلك بكثير. فهي تركز على الصراع بين المعرفة البديهية والإحساس الداخلي من جهة وبين النهج العلمي المبني على الإحصاءات الموثقة من جهة أخرى. وما أثبته المتعاملون بالأرقام في عالم الرياضة هو أن الحاسوب قادر على تشكيل فريق رياضي أفضل من الاعتماد على الفطرة الإنسانية التي استخدمت من أجل ذلك على مدى أكثر من 100 سنة في رياضة البيسبول. وتؤكد قصة الفيلم المبنية على أحداث حقيقية أن رياضة البيسبول تمر بتغيير لا رجعة عنه بفضل التكنولوجيا الحديثة. كما أن قصة الفيلم تركز على البعد التجاري للرياضة والذي يرتبط بتحقيق الفوز في المباريات، كما يعبر عن ذلك عنوان الفيلم والكتاب المبني عليه وهو «كرة المال». ونرى أن قصة الفيلم لا تشتمل على سلسلة من المباريات كالأفلام الرياضية التقليدية، ولا تنتقل أحداثها إلى الملعب إلا في اللحظات الضرورية الحاسمة للقصة، مع أن الفيلم يستخدم لاعبي بيسبول محترفين في مشاهد الملاعب. كما يقدم الفيلم نماذج لشخصيات متنوعة، وتعكس المناقشات بين شخصيات القصة صراعات عاطفية عميقة. ولا تخلو قصة الفيلم من بعض المواقف المرحة والمفارقات التي تعبر عن الطبيعة الإنسانية.
يتميز فيلم «كرة المال» بقوة إخراجه على يد المخرج بينيت ميلر الذي ينجح في تقديم عمل سينمائي متكامل يشتمل على العديد من المقومات الفنية ذات المستوى الرفيع. ويستخدم المخرج بينيت ميلر فترات الصمت ونقلات المونتاج بفعالية، حيث يسلط الكاميرا على المشاهد المختلفة ببراعة لنقل الزخم العاطفي العميق إلى المشاهد. كما يتميز الفيلم بسيناريو قوي يشتمل على حوار سريع الإيقاع من إعداد اثنين من أقدر الكتاب السينمائيين الحاليين في هوليوود وهما ستيفين زيليان وآرون سوركين الحائزان على جائزة الأوسكار. وتسهم في المستوى الرفيع للفيلم قوة أداء ممثليه الرئيسيين الثلاثة براد بيت وجوناه هيل في أقوى أدواره وفيليب سيمور هوفمان الحائز على جائزة الأوسكار.
صعد فيلم «كرة المال» في أسبوعه الافتتاحي إلى المركز الثاني في قائمة الأفلام التي تحقق أعلى الإيرادات في دور السينما الأميركية، وإلى المركز الأول في تلك القائمة في أسبوعه الثاني، وحقق 59 مليون دولار على شباك التذاكر خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لعرضه، علما أن تكاليف إنتاج الفيلم بلغت 50 مليون دولار. وعرض فيلم «كرة المال» في مهرجانين سينمائيين هما مهرجان تورونتو السينمائي الدولي ومهرجان طوكيو السينمائي الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن رياضة البيسبول هي أقدم رياضة منظمة في الولايات المتحدة ومن أكثر الألعاب الرياضية شعبية فيها. والبيسبول رياضة أميركية المنشأ، شأنها في ذلك شأن كرة السلة وكرة القدم الأميركية. وهي عميقة الجذور في المجتمع الأميركي، حيث تنتشر مئات الكلمات المأخوذة من هذه الرياضة في الأحاديث اليومية للأميركيين. ومما قاله صحفي فرنسي عاش في الولايات المتحدة سنين عديدة «إذا أردت أن تفهم أميركا فعليك أن تفهم رياضة البيسبول». ويشتمل «قاموس ديكسون للبيسبول» على 7,000 كلمة تتعلق بهذه الرياضة.
«كرة المال».. صراع بين الاحساس البديهي والنهج العلمي
12:00 26-10-2011
آخر تعديل :
الأربعاء