خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الكتابة للأجيال القادمة

الكتابة للأجيال القادمة

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

* حميد سعيد 

 ليس من مبدع، في الماضي أو الحاضر، في الثقافة العربية أو الثقافات الأخرى، حقق حضوره الثقافي بالقطيعة، سواء كانت هذه القطيعة عن الإرث الثقافي، أو عن الحاضر، حيث الزمن الثقافي الذي يعيش معطياته، متاثراً بها وقد يكون مؤثراً فيها، وليس من مبدع استمر حضوره الإبداعي الى الأجيال القادمة، لم يكن قد أسس حضوره في عصره، ليُكتشف في الآتي من الأيام.
رغم إن القول بالكتابة للأجيال القادمة، نستمع إليه ونقرأه بين حين وآخر، وهو قول يصدر عن كثيرين ممن لم تتح لهم فرص التفاعل مع المحيط الثقافي في زمنهم.
نعم.. إن كثيرين تتجدد قراءات ما أبدعوا، بتجدد الأزمنة الثقافية، ولكن الذين تتجدد قراءات ما أبدعوا، لا بد أنهم كانوا قد عبروا بعمق عن زمنهم الثقافي وأسسوا حضورهم الإبداعي فيه، وهؤلاء ممن تمثلوا الماضي وأدركوا متغيرات الحاضر وعبروا عنها، بما يجعل إبداعهم إضافة الى الماضي وتعبيرا عن حاضرهم.
إن معظم الذين يدَّعون أنهم يكتبون لقراء المستقبل، يحاولون الهروب من إحساس بعدم التواصل مع محيط زمنهم الثقافي، وإلا من أين لهم حق مصادرة توجهات القراء في المستقبل؟! حيث لكل زمن ثقافي توجهات قرائه، وإن التحولات الإبداعية، ما كانت ولن تكون مجرد طفرات يمثلها أفراد، خارج عوامل التحولات الاجتماعية.
إن المتغيرات الإبداعية، من نتائج المتغبرات الإجتماعية، سواء جاءت معها أو سبقتها، ولذلك فهي نتيجة وعي التغيير، وهذا الوعي نتيجة حوار اجتماعي وثقافي، ومن ثم حوار بين الإبداع والمتلقي، ولا أستثني مواقف رفض التغيير في هذا الحوار، فرفض ما هو جديد، يعبر عن وعي ما، لم يصل إلى إدراك جوهر المتغيرات الاجتماعية ونتائجها الثقافية.
إن رفض التحولات الإبداعية بالحوار، حتى وإن كان الطرف الرافض يصدر في موقفه عن وعي ماضوي، فهذا الحوار يحررها من العزلة والقطيعة ويضعها في منطقة التواصل بين الماضي والحاضر، والإبداع الذي يحقق هذا التواصل، هو المرشح لتحقيق تواصل بين حاضره والمستقبل، بين زمنه الثقافي وزمن ثقافي سيأتي، وهو "الذي يولد من جديد ويتجدد، كلما لمسه وجدان قارئ من جيل جديد" بحسب مقولة "بول أوستر".
يقول الكاتب الإيطالي "أنطونيو تابوكي": "تزعجني عجرفة الكتاب الذين يعتقدون، أنهم يكتبون للأجيال المقبلة، ويا له من إدعاء مثير للسخرية! رينيه شار لم يفكر أن يكتب للأجيال المقبلة ولا كافكا ولا كونراد، إن هذا النمط من التفكير يسيء الى مستوى الكتابة".
ورغم إن هذا الاعتقاد، اعتقاد الكتابة للأجيال المقبلة، ما كان مجرد عجرفة، كما قال "أنطونيو تابوكي"، بل هو بالإضافة الى ما قلت من قبل، إنه يصدر عن إحساس بعدم التواصل مع الزمن الثقافي لقائله، فهو نوع من الوهم أيضاً، وهو ارتباك في الوعي، حيث يعزل المتغير الثقافي عن المتغير الاجتماعي، وهو نوع من الخيال المشوش، بل هو محاولة للسطو على المستقبل وعلى تجليات الإبداع فيه، وعلى وعي مبدعيه وحقوقهم.
وحين أقول إن وهم الكتابة للأجبال المقبلة، نوع من أنواع السطو على المستقبل، فهو أقرب الى أن يكون محاولة سطو تنتهي الى الفشل، لأن المرء مهما كان خياله نشيطاً، ومهما كانت قدراته على التنبؤ تتسم بالحيوية، فإن صورة المستقبل، ليس سوى حالة متخيلة، وبالتالي،كيف يمكن أن تكون الكتابة لمستقبل متخيّل، غير مدرك وغير واقعي، وإذا كانت مثل هذه الصورة المتخيّلة، يمكن القبول بها تجوّزاً، فمن أين للكاتب، أن يوجه خطابه لمتلَّقٍّ لم يظهر بعد، ولوسائل خطاب ثقافي غير محددة المكونات، بسبب التطور التقني السريع والمذهل والمتغيّر بين يوم وآخر، ثم من يجرؤ على القول إن الأجيال المقبلة، لن تبدع كتّابها، وإنهم لن يكونوا الأقدر على الوعي بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والتعبير عنها.
كبار المبدعين في التاريخ الإنساني، هم الذين تمثلوا التراث الإنساني وأدركوا متغيرات الزمن الذي عاشوا فيه وعبروا عنها، وهذا ما أهّلهم لأن يكونوا جسوراً متينة للتواصل مع المستقبل.
التواصل الثقافي ليس خياراً، بل هو تمثّلٌ عميق، وهو نتيجة طبيعية لحياة الإنسان، فرداً وجماعةً، والقول بالكتابة لهذا الجيل او الجيل الآتي، ليس خياراً ميكانيكياً، بل هو من جوهر الإبداع الثقافي، بمكوناته وتفاعلاته التي تتجاوز القرار، وتتناقض معه أحياناً.
أي أن المختبر الذي تتشكّل فيه الكتابة، لن يخضع لتصورات ذاتية، وكذلك هو التواصل الثقافي مع الماضي ومع المستقبل، لن تتحقق فاعليته إلاّ بإدراك متغيرات الحاضر، ومن السذاجة أن يتعامل المبدع مع أي زمن ثقافي، كما يتعامل مع طعام لا يحبه أو يخشاه كما توهمت ذلك الشاعرة الأميركية "ريتا دوف" في قولها: "لا أقرأ معاصريّ، وهم مثلي يبحثون عن طرق تفادي الواحد منا الآخر،كي لا أقول قتل الواحد منا الآخر، لذلك أفضل أن أقرأ الكلاسيكيين، لأن من الأسهل أن أجتنب تأثيراتهم".
فليس المبدع الحقيقي رخواً إلى الحد الذي يتفادى قراءة معاصريه خشية تأثيراتهم فيه، وكيف يمكن أن يفتعل هذه القطيعة مع معاصريه؟ وهو يعمل من أجل تكريس فرادته الإبداعية التي تتحقق بالتفاعل مع المحيط الثقافي، حيث تشكل الكتابات المعاصرة مكونا اساسيا من مكونات هذا المحيط.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF