عمان - طارق الحميدي- يخرج غازي عمار يوميا من منزله الساعة السابعة صباحا بينما سحب الدخان الأسود التي تتصاعد من إحدى حاويات القمامة تلف الحي بأكمله وتتسبب بروائح كريهة يختفي معها هواء الصباح المنعش.
مشهد متكرر في حي يقع بمنطقة الهاشمي الشمالي جعل معه أهالي الحي يعتادون تلك الروائح التي تنبعث من الحاويات بسبب احراقها من قبل بعض عمال الوطن أحيانا أو العابثين أحيانا أخرى.
يقول عمار أن هذه المنطقة تشهد إحراق الحاويات بشكل مستمر في الصباح إلا أنه لم يستطع أن يشاهد يوما من هو الشخص الذي يقوم بإحراقها وعلى الرغم من تقديمه عدة بلاغات رسمية للجهات المختصة إلا أنه لم يتم معرفة الفاعل .
إحراق النفايات مشكلة ما زالت تتكرر في كثير من مناطق المملكة بعضها يقوم بها عمال الوطن للتخلص من النفايات المتراكمه في الحاويات وبعضها الآخر يقوم بها عابثون أو مراهقون من خلال إشعال النار فيها ومن ثم الفرار.
وتؤكد دراسة حديثه لوكالة حماية البيئة الأمريكية أن إحراق النفايات المنزلية تنتج غاز «الديوكسين» وهو من أخطر نواتج عمليات حرق النفايات .
وبينت الدراسة أن الديوكسين مادة سرطانية قاتلة وأوصت بالحد من معدلات انبعاثها كما حظرت تعرض الإنسان لهذه المادة على اعتبار أنه لا توجد نسب مأمونة لإنبعاثاتها لخطورتها الشديدة.
وقال مدير جمعية الأرض والإنسان للبيئة المهندس زياد العلاونة أن الديوكسين مسؤول عن الإصابة بعدد كبير من أنواع السرطان منها الكبد والرئة والمعدة والأنسجة الرقيقة والضامة بالإضافة إلى الأورام اللمفاوية، مبينا أن له تأثيرات على إضعاف جهاز المناعة وإضعاف قدرته على مقاومة الأمراض.
وبين أن هذا الغاز من أشد الغازات تأثيرا على الحوامل حيث يؤدي تعرض الحامل للديوكسين إلى ولادة أطفال يعانون من تشوهات وعاهات خلقية ومشاكل في التعلم.
وأكد أن إحراق النفايات لم يصل إلى حد الظاهرة إلا أنه بدأ ينتشر مؤخرا وأن على المسؤولين التنبه إلى هذه الممارسات ووقفها قبل أن تتفاقم.
ولم تفلح الشكاوى التي تقدم بها سكان أحد أحياء منطقة أبونصير بإيجاد حل لمشكلة إحراق النفايات من عدد من عمال الوطن الذين وجدوا في إحراقها أفضل الحلول للتخلص منها.
وذكر مواطنون في آخر شكوى تقدموا بها إلى منطقة أبو نصير أن إحراق النفايات المتكرر في حيهم يسهم في انبعاث الروائح الكريهة ويشكل أضرارا بيئيا ومخاوف صحية خاصة وأن الأدخنة تكون كثيفة ولونها داكن جدا.
أمانة عمان من جهتها لا تخفي وجود مشكلة إحراق النفايات وتعترف بخطرها وضرورة توعية العمال بمضارها لعدم اللجوء إليها, إلا أنها تؤكد أنها سلوكيات فردية وليست ظاهرة أو أنها ليست النهج المتبع في عملها بالتخلص من النفايات.
وتؤكد الأمانة أن توعية المواطنين فيما يتعلق بتوحيد أوقات جمع النفايات حتى يتسنى لمركبات جمع النفايات أن تخرج في أوقات معينة من أجل جمع اكبر قدر من النفايات عوضا عن أن تبقى الحاويات مليئة طوال الوقت وهو ما يضطر بعض العمال إلى حرقها.
أحد عمال الوطن والذي اعتاد من وقت لآخر حرق النفايات قال بعد أن رفض ذكر اسمه أن السبب في احراق النفايات هو امتلاؤها في كل الأوقات وهو ما يجعله مضطرا لإحراقها لتفريغ الحاويات.
وبين العامل الى «الرأي» أن المواطنين يلقون بنفاياتهم على مدار الساعة قائلا « قد يكون لإحراق النفايات مضار كبيرة إلا أنها تبقى أقل من تراكمها في الحاويات».
في مدينة الجبيهة وعلى الشارع الموازي للشارع الرئيسي كانت أدخنة تتصاعد صوب السماء ناجمة عن حريق كبير وبعد أن هرع الناس, وجدوا عددا من أشجار الزيتون مشتعله بعد أن انتقلت لها النار من إحدى الحاويات المشتعلة قبل أن تتدخل كوادر الدفاع المدني.
وبين تقرير الدفاع المدني أن الحريق انتقل من إحدى الحاويات المجاورة وأنه لو لم يتنبه المواطنون وابلغوا بسرعة لكان أتى الحريق على المزرعة كاملة.
يقول حسام عابد 31 عاما يسكن بالقرب من شارع الملكة رانيا أن عمال الوطن في الحي الذي يقطن فيه اعتادوا إحراق النفايات أو الأعشاب الجافة مما يشكل إزعاجا وينشر الروائح الكريهة في المنطقة كما أنه يشكل منظرا غير حضاري.
ويضيف «قمت أكثر من مرة بمراجعة أمانة عمان من أجل أن أسجل شكوى عسى أن تنتهي المشكلة, إلا أنني في كل مرة أرى ذات التصرفات عندما أخرج من منزلي لأجد أعمدة الدخان تتصاعد من الحاويات المقابلة».
بدوره قال المدير التنفيذي للنظافة في الأمانة زيدون النسور أن الأمانة تراقب الموضوع وتعطيه أولوية قصوى مبينا أن من يثبت عليه إحراق النفايات سيتم اتخاذ إجراءات قانونية شديدة بحقه.
وعن الجانب التوعوي لعمال الوطن أكد النسور أن الأمانة تعمل على توعية العمال من خلال تثقيفهم وتعريفهم بمخاطر إحراق النفايات المادية والصحية والبيئية أيضا.
وأضاف» لا تستطيع سيارات جمع النفايات القيام بجولات على مدار الساعة إنها قضية مكلفة, ونتمنى على المواطنين الالتزام بالحملة التي أطلقتها الأمانة والتي تهدف لتوحيد جمع أوقات النفايات من أجل تخفيف الأعباء عن الحاويات وهو ما يسهم في إيقاف هذه الممارسات حين تبقى الحاويات فارغه».
وناشد النسور المواطنين ضرورة الإبلاغ عن أي عامل يقوم بإحراق النفايات في أي مكان حتى يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه.
ومن جانبه قال مدير إدارة النفايات الصبة في وزارة البيئة الدكتور محمد الخشاشنه أن إحراق النفايات يتسبب بمشاكل بيئية وصحية كبيرة خاصة وأن جزءا منها يحتوي على مواد شديدة السمية وتنتج أدخنة سامة أيضا تسبب الأمراض لدى استنشاقها.
وأكد الخشاشنة ضرورة تكثيف الرقابة من قبل كافة الجهات المعنية من أجل القضاء على هذه الظاهرة مبينا أن إحراق النفايات وسط الأحياء السكنية يساهم بانتشار الأمراض الوبائية بين السكان.
وبين أن احراق النفايات ينتج عنها مواد خطرة من أهمها الزئبق والذي يستخدم في أنابيب التوسيع والتغذية بالإضافة إلى البطاريات والمصابيح مؤكدا أن إحراقه لا يؤدي لتدميره بل يجعله ينبعث بقوة من مداخن المحارق مما يساعد على انتشاره بقوة في الهواء وانتقاله إلى المناطق السكنية المجاورة.
ويتسبب في إصابة الإنسان بالتسمم العصبي حيث تلحق ضررا بالغا بالجهاز العصبي المركزي في الجسم كما تضر بالدماغ والكليتين والرئتين وبامكانه اختراق الحاجز الدموي الدماغي والغشاء الجنيني بسهولة والدخول إلى دماغ الجنين والتسبب في أعراض مرضية خطيرة .
إضافة الى أن من أهم نواتج الاحتراق هو مادة البلاستيك PVC والتي تعتبر المصدر الأساسي لمادة الكلورين الناتجة عن احراق النفايات وأن الخطير في هذه المادة هو تحلل بعض مكوناتها في جسم الإنسان.
وتبلغ كمية النفايات المنزلية في المملكة 1.4 مليون طن سنوياً، في حين تصل كمية النفايات الصناعية إلى 165 ألف طن سنوياً، و1.6 مليون طن سنوياً للنفايات الزراعية، وفق دراسة لمكتب برنامج الأمم المتحدة للتنمية في الأردن.
