سيغضب كثير من الفلسطينيين والعرب اذا ما قلنا ان اليسار في اسرائيل هو اكذوبة كبرى..
وسيذهب كثيرون الى القول بأن مثل هذا الطرح في هذه المرحلة الدقيقة (منذ متى كانت المرحلة عريضة او غليظة في عرفهم) انما يخدم اعداء السلام ويمنح رياحاً جديدة لأشرعة اليمين المتطرف الديني والاستيطاني والسياسي على حد سواء في اسرائيل، بل ان تيارا في الشارعين الفلسطيني والعربي سيرى في مثل هذا القول بمثابة خلط للاوراق وتماه مع خطاب تيارات الاسلام السياسي والاتجاهات العدمية والقوى الانعزالية العربية..
قد تتوفر لبعض هذه الاراء جزء من الحقيقة لكنه جزء في واقع الحال ضئيل ومتواضع مقارنة بالحقائق الميدانية السياسية والاجتماعية والحزبية الاسرائيلية التي تدحض كل التوقعات الفلسطينية والعربية oمن اليسار الاسرائيليa المبالغ فيها حقاً، والتي لا تنبني للاسف على ارضية صلبة بل هي تأخذ مواقفها على وقع بعض التصريحات والتعليقات التي يدلي بها رموز اليسار الاسرائيلي الحزبي والثقافي والنقابي والتي لا تثبت على حال بل هي تتغير تبعاً لموازين القوى ولاتجاهات الرأي العام، بمعنى اخر لا يقوم العرب باخضاع هذه المواقف للمراجعة ومتابعة ما طرأ على مواقف اصحابها من تغير بل هو انقلاب على كل تلك المواقف التي oينامa عليها وعندها الفلسطينيون والعرب ويبقون عليها في ذاكرتهم المثقوبة والانتقائية على اية حال.
لن نتحدث عن المؤرخين الاسرائيليين الجدد او حركة المراجعين الجدد، لرواية التأريخ الاسرائيلي للنكبة الفلسطينية او ما يوصف في اسرائيل بحرب التحرير ولن نتوقف عند نكوص بعض هؤلاء المؤرخين (بيني مورس على سبيل المثال) عن مواقفهم وعن ما كشفته ابحاثهم والوثائق (معظمها في ارشيف الدولة العبرية وعصابات الارهاب الصهيونية التي مارست ارهاباً منظماً ضد الشعب الفلسطيني مدنه وقراه وقامت بعمليات تطهير عرقي كشف المسكوت عنه البروفسور ايلان بابيه في كتابه oالتطهير العرقي في فلسطينa الذي سيصدر منتصف هذا الشهر في مناسبة مرور 59 عاماً على النكبة الفلسطينية..
بل نريد التوقف عند مقالة نشرها الاديب الاسرائيلي الشهير عاموس عوز الذي يعتبر احد ابرز دعاة السلام واليسار في الدولة العبرية في صحيفة يديعوت احرونوت قبل ايام (الاحد 29/4) تحت عنوان: على اسرائيل ان تتحمل جزءاً من حل مشكلة اللاجئين..
العنوان يتوفر على ايحاء ايجابي يريد الكاتب العلماني، الذي يصوت لحزب ميرتس اليساري، من خلاله الظهور بمظهر من يتحلى بنوع من المسؤولية الاخلاقية عما ألحقه ابناء جلدته بالشعب الفلسطيني من نكبات وويلات وتطهير عرقي لا يمكن دحضه.
لكن قراءة المقالة حتى النهاية تكشف في شكل جلي ان الفوارق بين نظرة اديب وناشط سلام يساري اسرائيلي واخر يميني متطرف يؤمن بنظرية ارض اسرائيل الكاملة، هي فوارق ضئيلة لا تكاد ترى وخصوصاً في شأن اللاجئين الفلسطينيين..
يبدأ عاموس مقالته بالقول: في كل مرة نسمع نحن الاسرائيليين عن مشكلة لاجئي 1948 تنقبض بطوننا لكثرة الخوف والقلق، اصبحت مشكلة اللاجئين (يواصل عوز) عندنا مرادفة لحق العودة وحق العودة قضاء على اسرائيل ..
لا تحتاج الفقرة الاولى من مقال عوز الى كثير من التفسير.. رفض مطلق لحق العودة كونه يلغي مبررات الدولة العبرية والخطاب الذي نهضت عليه (في رأيه)..
واذ موقف الاديب الاسرائيلي الشهير معروف من هذه المسألة منذ وقت طويل يشاركه في ذلك كثيرون في اليسار الاسرائيلي وخصوصاً الكتاب والمثقفين (مثل ديفيد غروسمان الذي فقد ابنه الاكبر في حرب تموز الذي شنها اولمرت على لبنان ولا تنسوا بالمناسبة شولاميت الوني رئيسة حزب ميرتس السابقة).. فإن الرجل يطرح مقاربة oجديدةa للخروج من هذا المأزق عبر دعوة الاسرائيليين الى تنظيم افكارهم وذلك بالفصل بين مشكلة اللاجئين وبين ما يسمى (كما يقول) بحق العودة..
كيف؟.
قبل ان يطرح مقاربته الغريبة، يقرر عاموس عوز موقفا حاسما عندما يقول: ان طلب اعادة اللاجئين الى دولة اسرائيل يجب ان يرفض، لانه اذا تحقق فستوجد هنا دولتان فلسطينيتان ولن تكون اية دولة للشعب اليهودي .
لا يكتفي عوز بهذا الموقف الحاسم، الرافض لمناقشة مثل هذه المسألة بل يذهب بعيدا في التضليل واستخدام الاوصاف والمصطلحات المغلقة بمواقف انسانية واخلاقية فيضيف: .. لكن يجب حل مشكلة لاجئي 1948، وفوق ذلك (الكلام ما يزال لعوز) حل مشكلة اللاجئين مصلحة حيوية لدولة اسرائيل، لانه ما لم تحل هذه المشكلة - واذا ما ظل مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين يتعفنون في مخيمات غير انسانية - فلن تكون لنا راحة .
ولأنه روائي ومثقف واسع الحيلة والاطلاع وحتى تبلغ حبكة مقاربته ذروتها قبل ان يطرحها بوصفه رجل سلام ، فانه يواصل عملية التضليل والخداع والكذب ايضا رغم محاولته الظهور بالحياد والذي لا تلبث ان تفضحه كلماته وما يزعم انه حقائق واقعية، إذ بعد ان يتساءل عاموس عوز عن المذنب في كارثة اللاجئين الفلسطينيين، يقوم بايراد الرواية الاسرائيلية التقليدية المعروفة بالطبع التي تقول ان قادة الفلسطينيين هم المذنبون واللاجئون انفسهم الذين هربوا مذعورين من بيوتهم مذنبون، وعلى حسب الرواية العربية (يستطرد عوز) اسرائيل التي طردتهم بقوة وقسوة هي المذنبة ..
ثم يخرج الاديب الشهير دعيّ السلام فيقول في رواية يكاد اكثر اليمينيين تطرفا ان يخجل من ايرادها: توجد حقيقة واحدة في الروايتين وهي ان حرب 1948 كانت حربا شاملة قرية ازاء قرية وحيا ازاء حي وبيتا ازاء بيت، في حروب كهذه - يواصل ناشط السلام وداعيته - تقتلع طوائف من السكان.. بل ان نحوا من 12 بلدة يهودية بينها الحي اليهودي في البلدة القديمة احتلها العرب عام 1948، وقتل السكان اليهود في هذه البلدات او اجلاهم العرب بالقوة، من جهة ثانية اقتلعت مئات البلدات العربية وفيها مئات آلاف المواطنين في 1948 من أماكنهم، فبعضهم هرب و بعضهم طرده الجيش الاسرائيلي .
انتبهوا هنا للتضليل يقول الجيش الاسرائيلي حيث يعلم الجميع انه لم يكن وقتها شيء اسمه الجيش الاسرائيلي بل هي عصابات ارهابية كان قادتها مطلوبين من قبل سلطات الانتداب البريطاني المتواطئة اصلا.
.. تسألون اين اذاً هي مقاربة عاموس عوز؟.
قد يكون من المفيد عدم ايرادها لانه لا شيء في واقع الحال بل هي دعوة لاسرائيل الناضجة والقوية بما يكفي (هو يقول ذلك) للاعتراف بذنبها الجزئي وان تتقبل الاستنتاج الذي يقتضيه ذلك ايضا ثم يواصل: ينبغي ان نأخذ على عاتقنا جزءا من جهة اعادة إسكان هؤلاء اللاجئين في اطار اتفاقات السلام وخارج الحدود السلمية المستقبلية لاسرائيل . انتهى طرح عاموس عوز.
أين من هنا؟.
لا داعي لاعادة السؤال مرة اخرى وليست اخيرة بالطبع هل يمكن وصف اليسار الاسرائيلي بغير كلمة اكذوبة ؟. في ضوء هذا الطرح oالواقعي والمسؤولa الجديد؟