ناجح حسن - يأتي الفيلم المصري (ولاد العم) للمخرج شريف عرفه، ضمن نوعية أفلام الحركة والمطاردات التي طالما عملت السينما المصرية على تجنب إنتاجها نظرا لكلفة ميزانياتها الباهظة من ناحية، ولعجز مخيلة صانعيها في القدرة على إقناع المشاهد بصدفية إحداثها من ناحية ثانية .
يعتبر فيلم (ولاد العم) الذي تعرضه صالات العاصمة منذ أسابيع، من بين أحدث نتاجات السينما المصرية في هذا النوع، بدا أشبه بالعلامة الفارقة بين تلك الأفلام المصرية القليلة، التي تمكن صناعها وأغلبيتهم من المخرجين الشباب الذين اختاروا إنجاز أفلامهم على حسب النموذج الهوليوودي، متسلحين بقدراتهم التقنية الكومبيوترية الحديثة لكنها افتقدت الاحاساس والصدقية بالقضايا والمواضيع التي تدور من حولها الأحداث .
أكثر ما يلفت في (ولاد العم) موضوعه المستمد عن واحدة من قصص شبكات التجسس الإسرائيلية التي زرعت في مصر، وذلك عندما يهرب جاسوس إسرائيلي ومعه زوجته المصرية التي أقنعها بحبه لها وهي لا تعلم إنها وقعت فريسة جاسوس إسرائيلي، ولتجد نفسها ومعها ابنيها تقطن في مدينة تل أبيب وتعيش كغريبة داخل المجتمع الإسرائيلي .
عقب نجاح الضابط الإسرائيلي بالفرار إلى إسرائيل مصطحبا زوجته المصرية وولديها، تواجه زوجها بأنها ترفض الاستمرار في حياتها كزوجة له بعد أن كشف عن شخصيته الحقيقية، وتبدأ المخابرات المصرية في محاولة استعادة الزوجة إلى وطنها مصر، وذلك من خلال إرسال احد ضباطها في مهمة صعبة داخل إسرائيل .
ومن اجل تحقيق ذلك تتعرض مهمة الضابط المصري إلى الكثير من المواقف التشويقية الصعبة، التي تنهض على لحظات التعقب والملاحقات والمطاردات العديدة، قبل أن ينجح في مهمته بتلك النهاية السعيدة التي اعتاد عليها السينما المصرية.
يحفل فيلم (ولاد العم) الذي اضطلع بأداء أدواره الرئيسية كل من: كريم عبد العزيز ومنى زكي وشريف منير، على كلمات وجمل باللغة العبرية التي تتحدث بها الشخصيات، في مسعى من صناع الفيلم لإسباغ لمحة من الواقعية على الأحداث، التي بدت في كثير من المحطات وكأنها مفاجاءات صعبة التحقق على ارض الواقع.. أن لم يكن من المستحيل أن تكون مهمة الضابط بمثل هذه السهولة والبساطة في اجتياز حدود وحضور رجال عرب من المقاومة لإسناده في اللحظات الحرجة أو لدى اقتحامه مكاتب الموساد والتفتيش في ملفاتهم!.
يقدم الفيلم صورة غير معهودة عن الشخصية والمكان الإسرائيليين، والتي طالما جرى تصوريهما في السينما المصرية باستسهال وعدم دراية عندما قدمتها أفلام على غرار: (شمشون ولبلب) و(جريمة في الحي الهاديء) و (مهمة في تل أبيب) و (الحب في طابا) وسوى ذلك كثير .. كأصحاب مكائد ودهاء في هيئة شياطين تحيط بهم القذارة والبشاعة والأمراض السارية وهم يتحركون داخل أمكنة ضيقة معتمة أشبه بالكهوف بعيدا عن مظاهر الحياة المعاصرة .
لكن صناع فيلم (ولاد العم) يتركون العنان لشخصياتهم اليهودية لتظهر في مواقف من القوة والذكاء والفطنة والوسامة ومظاهر الغنى في البيوت الفارهة، لكنها لا تخلو من تعابير القسوة والغلظة والدهاء كما يظهر لدى محاولاتهم إقناع الزوجة مثلا بصوابية سلوكهم أو في مسألة رؤيتهم لقضية الصراع العربي الإسرائيلي وبالتالي إقناعها في الاندماج داخل بيئتهم.
من هنا توقف كثير من النقاد والمهتمين أمام تلك الشخصيات الإسرائيلية التي قدمها المخرج عرفة في حياد عن الصورة المعتادة في أفلام هذا النوع، وفي تضمينها ذلك القدر من المشاعر المتباينة، التي يكنها رجل الموساد لزوجته المصرية التي أحبها بشغف، قبل أن تنفرط هذه العلاقة بمجرد أن يتبين لها حقيقة عمل وشخصية زوجها كيهودي يعمل في خدمة إسرائيل .
وعلى النقيض من ذلك قدم الفيلم شخصية الصيدلي اليهودي الذي ينحدر من اصل مصري وهو غير مقتنع بالحل الصهيوني للقضية الفلسطينية، حيث يجد الضابط المصري لديه عملا في الصيدلية التي ينجح من خلالها من متابعة تحركات هدفه والاتصال مع زوجته المصرية.
برع المخرج عرفه الذي قدم من قبل مجموعة من الأعمال السينمائية اللافتة : (يا مهلبية يا) و(اللعب مع الكبار) و(اضحك الصورة تطلع حلوة) في تصوير العديد من مشاهد المطاردات في إيقاع سريع لاهث داخل شوارع تزدحم فيها السيارات والجماعات، بحيث جرى تصميمها بلغة بصرية تقترب من أجواء الأفلام العالمية الشبيهة، مستفيدا من التشابه بين مدينة تل أبيب وواحدة من مدن جنوب أفريقيا الحديثة والتي جرى فيها تصوير أحداث الفيلم.
كما إن شريف عرفة نجح في توظيف شريط الموسيقى للأحداث من خلال اختياراته الموفقة لموسيقى تتفق والمكان الذي تسري فيه الأحداث مثلما قدم مشهدية بصرية لقصف الطيران الإسرائيلي لمجاميع من الفلسطينيين المغادرين بيوتهم، على نحو يقترب من تلك الوثائقيات المصورة لمناظر اللجؤ في العام 1948 والنزوح لعام 1967، كما أن الفيلم افرد مساحة واسعة تحتشد فيها قطع الديكور والإكسسوارات والملابس وسوى ذلك من تفاصيل دقيقة مستمدة من الحياة الأجواء اليومية داخل المجتمع الإسرائيلي، التي تتوزع فيها الكلمات العبرية وهي تشير إلى أسماء الأفراد والشوارع والأسواق والمؤسسات والمحلات التجارية.
الفيلم المصري (ولاد العم ) لشريف عرفة .. صورة غير نمطية لأفلام الجاسوسية
12:00 14-1-2010
آخر تعديل :
الخميس