سألت صاحب المشروع..هل يمكنكم استلهام الماضي المجسد في تاريخ المكان في بناء مدينة العقبة التي تزدهر الان لتحمل ألق الحاضر ومجد الماضي وتعيد تقديم صورته؟!..
هنا الى الجنوب من مدينة العقبة تقام الان «مدائن العقبة» التي رايت مجسماتها تعرض في دبي وهي مدائن تستهدف تحويل منطقة الساحل الجنوبي للعقبة الى مقصد سياحي وسكني يتماشى مع الطراز المعماري الخاص بمدينة العقبة.وبما يضمن الحفاظ على الحياة الطبيعية والبيئة للمنطقة..هنا توقفت عند ما يقصده المطورون والمهندسون بالطراز المعماري للمكان واردت ان اعبر الى التاريخ لارى ان كان في المكان او جواره طراز معماري يمكن اعتماده او محاكاته او البناء على منواله..فماذا وجدت..؟
المكان جنوب العقبة..وشمال منطقة العلا(في المملكة العربية السعودية الان) حيث قامت عدة حضارات وشيدت عدة مدن..هنا في الامتداد كانت حضارة الانباط العظيمة التي خلفت البتراء (التي يجري التصويت عليها الان لتكون بهمة من احبوها من ابناء وطنها في قائمة مدن العالم التاريخية وعجائبه التي ترشحها اليونسكو..) وقد خلف الانباط على امتداد شمال بحر القلزم (البحر الاحمر) اثارا شبيهة بالبتراء من حيث المعمار وان لم تبلغ ما بلغته البتراء ومن ذلك مدائن صالح (اثار الخريمات) وهي مدن قوم صالح النبي الوارد ذكره في القرآن وصاحب الناقة المعجزة وفي ذلك الموقع ايضا قصر الصانع..ومواقع اخرى..وفي المكان او جواره تواكبت شعوب وحضارات وقبائل..منها قبيلة (مدين) التي تحمل اسم مدين ابن ابراهيم النبي عليه السلام.ومدين كما حددها ياقوت الحموي هي بين وادي القرى والشام وفيها استقى النبي موسى الماء لبنات شعيب من بئر عليه بيت وقد جاء ذكر ذلك في القرآن (والى مدين اخاهم شعيبا) سورة الاعراف..
فشعيب هناك وليس في وادي السلط او وادي شعيب..وموسى كان قد عبر من ضفة بحر القلزم الغربية الى الشرقية جنوب خليج العقبة ليكون في موقع قبيلة مدين..ومع بنات شعيب..وهذا ما يميل اليه الحاج زكي الغول في قراءته التاريخية المعتمدة على النصوص الدينية عن موسى وسليمان..
هذه الجغرافيا «مدائن صالح»..«ومدين» حيث سكن الانباط ومن قبل قوم «ثمود» وقبلهم قوم «عاد» عرفت حضارة البناء والحجر والنحت والعمارة والهندسة والفن..فهذه المواقع كانت مستوطنة منذ القرن الخامس قبل الميلاد الى فترة الازدهار في القرن الاول بعد الميلاد والتي بلغت ذروتها في العقبة زمن البطرك «يوحنا بن رؤبة» امير العقبة الذي عاصر الرسول محمد(ص) وزاره في تبوك وقدم له الهدايا واقر بدعوته في كتب النصارى ووقع معه «عهدة» ظلت سارية ولها الفضل في بقاء المسيحية منتشرة وآمنة في جنوب الاردن حتى اليوم..
وكانت المواقع كافة «مدائن صالح» و«مدين»و«البتراء» تحت سيطرة الانباط واثارها الثابتة والمنقولة فتمثل في الثابت حيث الجزء السكني والمقابر المنحوتة ولم يكتشف من الجزء السكني الا اليسير..تبين منه ان المنازل مشيدة بالحجارة الجيرية والرملية اما المقابر المنحوتة فما زالت بادية للعيان حيث انها منحوتة على واجهات الجبال المحيطة بمواقع السكن والمقبرة واجهة نحتت فيها غرفة مربعة الشكل تقريبا ونحت فوق مدخلها مثلث (انظر البتراء) وعلى جوانبها انصاف عمدان تنتهي بانصاف تيجان وشكل نصف هرمي على كلتا النهايتين العلويتين ويعلو مدخل المقبرة نقش بالخط النبطي يحدد ملكيتها ويسمى مالكها ومن لهم الحق في استخدامها ويحذر من سوء استخدامها وهناك مجموعة من النقوش النبطية الموجودة على واجهات المقابر بالاضافة الى مجموعة اخرى وجدت على واجهات الجبال القريبة من المساكن التي قيل انها نقوش لحيانية..
اما المادة الاثارية المنقولة في مجموعات من الاواني الفخارية المتنوعة فمنها الخشن ومنها الناعم ومنها المزخرف بالحز او الالوان ومن بينها مجموعة من الاواني النبطية المشهورة برقة سمكها الذي يشبه سمك قشرة البيضة ويظهر عليها زخارف هندسية باللونين الاسود والاحمر ومن اثار الموقع العملة المعدنية التي معظمها من العملة النبطية..
اعود من التاريخ الى اللحظة الحاضرة..هنا في جنوب العقبة الان وامتدادا لما تحدثت عنه من مواقع.. يجري انشاء «مدائن العقبة» لتعاود الربط مع الجذور التاريخية داعيا صاحب المشروع السيد احمد عرموش استلهام تاريخ المكان وعكسه على هذه المدينة السكنية المتكاملة التي تعيد امجاد «مدائن صالح» و«مدين» وان تحاكي في معمارها الخاص ماكانت تلك المدن او المواقع قد تمتعت به حتى يستأنس زائر «مدائن العقبة» او سكنها بما كانت عليه هذه المنطقة من صلة بالحضارة خاصة حضارة البخور العمانية التي كانت تصلها عبر القوافل القادمة من اليمن والمتجهة الى اوروبا قبل خراب سد مأرب واندثار حضارة البتراء..
وحتى لايستغرق التاريخ المقالة فان ما يقوم من بناء «مدائن العقبة» ياتي بفضل جهود شركة تطوير العقبة وشركة مدائن العقبة من خلال الاتفاقية الموقعة في دبي لانشاء هذه المدائن والتي هي سلسلة من مدائن اخرى في المملكة منها مدائن النور في الزرقاء (مدائن الشروق) و''مدائن العاصمة'' في عمان..اما المشروع الذي نحن بصدد الحديث عنه في العقبة فان قيمته الاستثمارية تزيد عن (90) مليون دولار يبدأ مع بداية العام 2007 وهذا المشروع هو جزء من تطوير مدينة العقبة التاريخية الذي يستهدف تحويلها الى مركز جذب تجاري وسكني وسياحي مهم بقيمة ثلاثة مليارات دولار تنفذ على مرحلتين..