عمان - بترا - سهير جرادات- فوجئت فرح برفض احدى المستشفيات الخاصة استقبال والدتها ، بعد ان تبين للطبيب المناوب في تلك الليلة وصولها وقد اسلمت الروح لبارئها ، ليمتنع عن تحرير تقرير طبي بحالتها لان الوفاة حدثت بالمنزل .
لملمت الابنة حزنها وألمها ، وتابعت طريقها برفقة جثمان والدتها السبعينية المسجى بسيارة الاسعاف الى مستشفى البشير المخول باستقبال مثل هذه الحالات ، جمد الدمع بعينيها وتركت والدتها مكرهة بثلاجة الموتى .
لا تتحمل المستشفيات الخاصة مسؤولية استقبال الحالات التي تصل اليها بحالة الموت المفاجىء ، بغض النظر عن شدة المرض أو عمر الشخص أو الظروف التي توفي بها حسب ما يوضح رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري لوكالة الانباء الاردنية .
ويقول انه لا يتوقع من طبيب الطوارىء تحرير تبليغ وفاة يتضمن سبب الوفاة، لانه لم يشهد نزاعه ولم يطلع على المرض السابق للمتوفى .
قضت فرح تلك الليلة بالدعاء لوالدتها بالرحمة ، لتستعد لتغسيلها وتكفينها في اليوم التالي ، الا انها صدمت بطلب تحويل جثمان والدتها مرة اخرى الى المركز الوطني للطب الشرعي في مستشفى البشير لاجراء تشريح لها .
يؤكد رئيس المركز الدكتور مؤمن الحديدي أنه لغاية دفن المتوفى يجب الحصول على تصريح بالدفن ، اذ يعطى بناء على تبليغ الوفاة من قبل الطبيب المعالج إذا كانت الوفاة طبيعية داخل المستشفى أو من قبل الطبيب الذي شهد نزاع المتوفى لحظة وفاته أو كان مطلعا على مرض موته ، إذا حصلت الوفاة بالمنزل على أن يكون سبب الوفاة جليا .
ويوضح ان المستشفيات الحكومية والخاصة تقوم بتحويل الوفيات المنزلية المسبوقة بالمرض الى الطب الشرعي للتوقيع على تبليغ الوفاة استنادا الى التقارير الطبية المعدة من قبل الطبيب المعالج ، اما في حالات الوفاة الفجائية غير المتوقعة وغير المسبوقة بمرض مباشر فيتم الكشف الخارجي على الجثة او تشريحها .
ويرى الدكتور الحموري انه لوجود شبهة جنائية في حال عدم وضوح سبب للوفاة ، وعدم وجود طبيب معالج او تقرير منه ، او من المستشفى المطلع على الحالة الصحية للمتوفى ، يتم تحويله للمركز الوطني للطب الشرعي للقيام بعملية الكشف الظاهري على الجثة لبيان إذا كانت هناك حالات مرضية مزمنة أو أمراض مميتة، وفي حال عدم توفر هذه الاسباب يتم تشريح الجثة للوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة وتسليمها لاهلها .
ويؤكد مصدر مسؤول في المجلس القضائي ان المركز لا يقوم بعملية التشريح الا في حال طلب من قبل الادعاء العام بموجب المادة 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على اذا مات شخص بشكل مفاجئ او لاسباب باعثة على الشبهة يستعين المدعي العام بطبيب او اكثر ، يكون طبيبا شرعيا ، لبيان سبب الوفاة وحالة جثة الميت للوقوف على اسباب الوفاة ان كانت طبيعية او باعثة للشبهة الجنائية ، او اذا كان سبب الوفاة ناتج عن مرض سابق أو مرافق للإصابة التي كان قد تعرض لها المتوفى ، او بناء على طلب ذويه .
توفيت والدة فرح على سريرها وهي آمنة في بيتها بين ابنائها واحفادها وفقا لقول فرح مبينة ان وقع طلب تحويل جثمانها للمشرحة كان أكبر من تلك الصدمة التي خلفتها حالة فقدان الام .
اردات فرح ان تبقى الى جانب والدتها حتى اخر لحظة تراها في هذه الدنيا، لتنال ثواب رب العالمين الذي اوصانا بالبر بالوالدين احسانا، متجاوزة كل الإجراءات التي لم تعلم بها من قبل ، فبدأت رحلة السباق مع الوقت لتجهيز التقارير الطبية اللازمة لاعتماد سبب الوفاة واستخراج تبليغ بها وإنهاء المعاملات قبل حلول وقت الصلاة ليصار لدفنها في مسقط رأسها باحدى المحافظات التي تبعد عن العاصمة نحو120 كيلومترا .
لم يكن مناص امامها الا ان يأتي الطبيب المعالج المطلع على مرض موت الام ، ليكتب تبليغ الوفاة الناتجة عن نوبة قلبية حادة ليصادق عليه المركز ،ويتم في ضوء ذلك استخراج تصريح الدفن .
يعزو الدكتور الحديدي مثل هذه الاجراءات التي فرضها القانون ولم تكن مفعلة منذ عام 1961 الى ان التغير الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي والهجرات المتعاقبة فسخت النسيج الاجتماعي ، والزمت الدولة تشديد الاجراءات التي من شأنها حماية أفرادها الأحياء والأموات .
ويوضح ان تشديد الاجراءات على اصدار تبليغ الوفاة لا يقصد بها التعقيد بل حماية المتوفى وورثته من خلال بيان تعرضه للاهمال او لإجراءات جرمية خاصة في حالات وجود طامعين بأموال المتوفى ، كما حدث مع فتاة توفيت ، وبعد عدة اشهر شك ذووها بأن هناك جناية وراء موتها ، وتم استخراج جثتها من القبر لتشريحها الذي سيأخذ لحوالي شهرين بدلا من ساعات فيما لو اجري يوم الوفاة .
ويدعو الدكتور الحموري الى توزيع نشرات تتضمن الاجراءات الواجب اتباعها في حال الوفاة المنزلية مشيرا الى ان هذه المهمة تقع على عاتق التثقيف الصحي بوزارة الصحة.
من جانبه يؤكد عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة العلوم الاسلامية العالمية الدكتور محمود السرطاوي مشروعية عرض حالات الموت المفاجئ او الناجمة عن جناية على الطب الشرعي وتشريحها، للتأكد من اسباب الوفاة ودرء المفاسد بانزال العقوبة لمن تسول له نفسه الاعتداء على الاخرين ، وصون حقوق المتوفى وورثته بالميراث والنسب وحقوق الزوجة ، وحتى لا تعم الفوضى بترك الجناة دون عقاب .
فيما اكد الناطق الاعلامي في المركز الوطني لحقوق الانسان محمد الحلو ان تشريح جثة المتوفى في حال وجود شبهة جنائية يكون للحفاظ على حقوق ورثته بالتحقق من سبب الوفاة ، اما في حال عدم وجود شبهة جنائية ، فلا يجوز باي شكل من الاشكال انتهاك حرمة المتوفى والمس بجثته .
لكن الدكتور الحموري يؤكد ان بعض المستشفيات في حال وجود حالات مرضية مستعصية وميؤوس منها تلجأ لارسالها الى المنزل لحين حلول الأجل ، وتستقبلها بعد الوفاة لتجري الفحوصات اللازمة لاثبات وتجهيز تقرير الوفاة دون اللجوء للطب الشرعي لبيان سبب الوفاة للمستشفى المشرف على الحالة.
لم يستبعد الدكتور الحموري الشبهة الجنائية في حالات الوفاة التي تحدث داخل المستشفيات ، داعيا الاهل في حال شكهم بوجود تقصير او اهمال ، او خطأ طبي ادى لوفاة عزيزهم التقدم بشكوى بذلك لتشريح جثة المتوفى لتحديد سبب الوفاة ، مشيرا الى وجود العديد من القضايا المحولة للمحاكم الجزائية .
لم تكن والدة فرح الوحيدة التي يوجب القانون تشريح جثتها لمجرد شبهة غير موجودة اصلا ، فقد تم تشريح جثة طفلة رضيعة بعد ان توفيت وهي في حضن والدتها التي غفت اثناء عملية الرضاعة بطريقة ادت الى اختناق وحيدتها ، وما كادت الام ان تصحو من صدمتها ، حتى صدمت برفض اعطائها تبليغ وفاة ، الا بعد اجراء تشريح للجثة ، وبيان سبب الوفاة ، لاحتمال وجود شبهة جنائية بموت الطفلة التي لم تكن تعاني من أي امراض .
