الشيخ محمود الطيب.. لــي 175 حفيــدا وحفيـــد حفيـــد

الشيخ محمود الطيب.. لــي 175 حفيــدا وحفيـــد حفيـــد

هذه الصفحة بيت ضيافة أردني لخزائن الخير والرضى ..
هم الذين انعم الله عليهم بطول العمر المؤثث بالذاكرة الشابة. لديهم التجربة والحكمة والرضى، ما تفيض به نفوسهم فيغدقونه على الأجيال الجديدة، وفاءً للوطن واحتسابا للألفة الاجتماعية وشحنا للعزيمة في مستجدات حياة سريعة لا ترحم.
من باب الاحترام الكثير والثقة العالية، كانوا يسمونهم ''القرامي'' وهي الجذور العميقة والسيقان الصلبة للأشجار الوارفة. نُقبّل أيديهم ورؤوسهم وفاءً لهم وانتظاراً لما يقولونه من حكمة أو يستدعونه من ذكريات وقصص، وامتثالا لما يحرصون عليه من صلة الرحم وكافة خصال الخير التي تحتاج الأجيال الجديدة من يُذكّرهم بها.
''مِنْ زمان'' بيت ضيافة ''الرأي'' الذي نلتقي فيه هذا الجيل الأثير وهو يعيد على مسامعنا بعضا من صفحات تاريخ العزّ المدوّن في الذاكرة الوطنية.

 

ملك يوسف التل - تجاوز الثمانين من عمره وهو من عشائر بني صخر، بدو الوسط مواليد قرية ''نتل'' والتي تبعد عن الجيزة حوالي سبعة كيلو مترا. يقول محمود ارشيد الطيب:.
ولدت في الصحراء في بيت شعر، فالشق الذي كنا نجلس فيه كان لأحد أعمامي وكان المسؤول عن هذا الشق لأجل القهوة، حيث كانت العادات في السابق أن يذهب الناس إلى الشيوخ ليروا إن كانت القهوة عندهم ساخنة أم لا، فالوالدة جاء عليها الدور لأن تجلب (قعور) وهو ما يشبه الحطب يتم البحث عنها في الأرض لأجل عمل القهوة، ، فجاءها المخاض فسلمت أمرها إلى الله، وبعد ولادتي لفتني بخرقة ملابس وعادت بي إلى الأهل وعندما رأوها سألوها ما الذي تحملينه، فقالت لهم القصة.

 

* كم كان عمر والدتك عندما تزوجت وكيف كان يحتفل بالمولود الجديد؟.

تزوجت والدتي في سن 18 عاما وعند ولادتي ذبحت الذبائح وكانت الناس التي تأتي للتهنئة ويقدم لهم المنسف وخاصة انني كنت المولود الأول لوالديّ.جاء المهنئون يحملون الهدايا كل حسب قدرته فالذي كان لديه الأغنام كان يأتي بخروف كهدية، والذي لديه سمن يأتي به كهدية، لكن الأكثر كانوا يأتون بالذبائح بالإضافة إلى ذلك عندما كان يأتي ضيف إلى ارشيد الطيب وهو والدي كان نفس الفريق في العشيرة يأتون للحضور والجلوس مع الضيف وتتم العزائم لمدة ثلاثة أيام في بيت كل واحد، فعادتنا نحن العرب بأن لا نسأل الضيف أي شيء إلا بعد ثلاثة أيام وثلث، بعدها يسألون من أين هو وما حاجته ..الخ.

* هل حصل معكم أن جاءكم دخيل تم إجلاؤه؟ .

حصل ذلك، وكان جدي ارشيد والد والدي، شيخ العشيرة، وكانت العشائر ترتبط بينها وبين بعض الوفاء والود، فإذا ما قام شخص بقتل شخص آخر فالعشيرة التي قام شخص منها بالقتل تدخل إلى عشيرة ثانية، وهؤلاء ينامون مطمئنين ويتم المحافظة عليهم بحرص لحين أخذ عطوة عن طريق الجاهة ويتم حل الأمور عشائرياً.. فدخل على جدي الكثير من الناس وانتهت قضاياهم صلحا.

 

* كم زوجة لوالدك؟.

زوجتان . بعد وفاة والدتي تزوج والدي بزوجة سورية من حماه وأنجبت له بنتا و3 أولاد، وكان عمره عندما تزوجها 92عاما وتوفي يرحمه الله عن عمر 97عاما.

* هل كنتم تتناولون ثلاث وجبات في اليوم؟.

في الصباح كان فطورنا فتة حليب ونضع عليه السمن، واللزاقيات، واللبن الشنينة.
ووجبة الغذاء كانت مما هو موجود . وإذا جاءنا ضيف نذبح الذبائح تكريما له.
لكن في الأيام العادية نأكل مما هو موجود في البيت، مثل الجريشة مع اللبن والسمن البلدي.
لم نكن نأكل اللحم يومياً، وكنا نضحك على الذين يأكلون الدجاج أو يربونه.
أما العشاء فأكثر الضيوف كانوا يأتون في المساء، من الكرك ومن بني حميدة ومن الطفيلة ومعان.

* كيف كنت تقضي وقتك أنت ورفاقك في هذا السن؟.

أحياناً نلاحق الحلال وأشغالنا وأعمالنا، ويكون لدينا حراثين يحرثون في قريتنا.

* ما الألعاب التي كنتم تلعبونها؟.

كنا نلعب المطارد، وأحياناً نتباطح بيننا وبين بعضنا كصبيان. وكنت وقتها ولله الحمد قوي البنية، فلا أذكر أن أحداً بطحني أرضاً.

* من تتذكر من الذين قمت ببطحهم؟.

من أقاربنا ابن قصير وهو من بني صخر، فهذا كان مسيطر على أبناء القرية، هذا الكلام عندما ذهبنا إلى عمان، فتباطحت معه وفزت عليه.

* هل ذهبت إلى المدارس؟ .

ذهبت إلى الكتاتيب، حيث كان يأتينا خطيب بالقراءة اسمه الشيخ مصطفى، درسني القرآن الكريم، وعندما ختمت القرآن تم عمل حفلة لي بهذه المناسبة، وعندما ترقيت قليلاً ارسلوني إلى الشيخ خلف رحمه الله، وكان يعلمنا القراءة والكتابة وقراءة القرآن.

* كم كان عمرك عندما تزوجت ؟.

زواجي من الأولى كان عمري 16 سنة.. حيث ذهب والدي ووالدتي ورأوا العروس وأعجبتهم. وكانت العروس اكبر مني سنا وكانت أكبر مني بقليل.. وتم خطبتها ورأيتها لأول مرة عندما دخلت عليها بعد ستة أشهر من خطوبتها.

 

* هل كان اختيار العروس حسب مواصفات محددة؟ .

كان يهمنا الأصل، حيث كنا نسأل عن خالها وخالتها فالخال والد.

* هل ارتدت العروس فستانها الأبيض ؟.

لا .. لبست''مدرقة'' جميلة كانت مطرزة على يد النساء، ووضعت عباءة على نفسها وجلبوها لي، وكان يسبق حفل العرس حفلة حناء وهي عادة ما تزال موجودة حتى الآن.
وسكنت في غرفة مع اهلي.

* كم كان متأخر زوجتك؟.

150جنيه فلسطيني .. والمقدم كان أقل لا أتذكره الآن.

* صف لنا حفلة زواجكما؟.

الاهل والجيران والاصدقاء وقد قاموا بزفي إلى عروسي وإطلاق العيارات النارية. وكانت الحفلات عبارة عن ثلاثة أيام من الغناء والرقص والذبائح.

* هل تم ضربك أثناء حمام العريس؟.

لم يتم ضربي، بل تم إخافتي حتى أدخل على العروس بحيث أكون غير خائف من شيء.

* وماذا عن عباءة الخال؟ .

كانت موجودة، فعباءة الخال كانت مقبولة، فعندما تخرج العروس من بيت أهلها يقف لها والدها وخالها وتلبى طلباته.
وفي ثاني يوم من الزفاف احضرالاهل لنا ''اللزاقيات'' اللذيذة بالسكر، فكان شيئاً جميلاً.

* هل الطريقة التي تزوجت بها المرة الأولى نفسها بزواجك الثاني؟ .

لا، في زواجي الثاني كنا نسكن في عمان وجاء أقاربنا من الرمثا من بني صخر، وذهبوا لجلب العروس من بيت لحم..

* كيف تعرفت على زوجتك الثانية؟.

كنا متعهدين للجيش، نأتي بالأسلحة ونوردها للجيش، ففي أحد الأيام كنت أسير مع الشباب في بيت لحم، وكان لدي سيارة، ورأيت الفتاة وأعجبت بها، فأخبرت أصدقائي بأن من لديه مثل هذه الفتاة فحياته ستكون رائعة وجميلة، فقال أحد الأصدقاء وما رأيك بالذي يخطب لك هذه الفتاة هذه الليلة؟ فوافقت على ذلك.. وفعلاً في نفس الليلة ذهبوا إلى والدها ووافق والدها، كان في ذلك الوقت ممنوع زواج الاثنتين، ومن يريد الزواج بامرأة ثانية يجب ان يدفع 50 ديناراً، دفعتهم وخطبت وفي تلك الأثناء كانت زوجتي الأولى على قيد الحياة. زواجي الثاني كان عمري 26عاما وعمر زوجتي 14عاما.

* هل جلست معها قبل الزواج؟ .

نعم، وبعد عقد القران كنت اخرج معها ولكن ليس لوحدنا .كان اهلها يرسلون معنا اخيها حتى يراقبنا وحتى في بعض الأيام كنت أعطي شقيقها عشرة قروش حتى يبتعد عنا قليلا. كنت أشتري لها هدايا من عمان..لقد احببتها وكنت اشتري لها الهدايا من عمان واذكر اول هدية قدمتها لها قطعة ذهب.

* كم كان متأخر زوجتك الثانية؟.

المؤخر كان 300 والمقدم 300.

* هل كنت عادلا بين الزوجتين؟.

عملت ما لا يقوم به إلا الذي يخاف الله، فأنصفت بين الاثنتين، حيث أحضرت عفش جديد للاثنتين، وتعايشوا مع بعضهما البعض وكانتا من أرقى نساء العالم، حيث كان عندما يمرض طفل من الأطفال تجلس زوجاتي الاثنتين عنده لحين شفائه، فكانت علاقتهما مع بعضهما ممتازة.

* هل تفاجأت زوجتك الأولى عند زواجك بالثانية؟ .

نعم .. تفاجأت وسألتني إن كانت مقصرة في حقي، فأخبرتها بأن محبتها في قلبي فهي أم أبنائي وتبقى هي الرئيسية والآمرة، وفعلاً بقيت هي رئيسة البيت لحين أن توفاها الله.

* كم ابنا لك من الزوجتين وكم حفيدا؟.

* عندي 19 ابنا وابنة جميعهم متزوجون وعندي 175حفيدا وحفيد حفيد حفظهم الله جميعا.

* هل تراهم وتعرفهم؟

نعم، يأتون ويجتمعون جميعهم عندي في البيت. ولا اعرف كل اسمائهم لكنهم كلهم قريبون مني واحب الجميع دون تمييز.

متى أتيت إلى شارع طلال؟.

منذ عام 1947. كان الشارع لا يوجد به لا دكاكين ولا محلات ولم يكن مزفّت ولا به أي شيء، والذين يأتون الى عمان باص من الكرك وباص من الطفيلة وباص من مادبا وباص من معان، وكانت هذه الباصات تأتي كل يومين أو ثلاثة ايام بالأسبوع وكان فيه قليل من التجار الشوام، وكانوا يبيعون الأقمشة. وهم معروفين لدينا من عائلة، ديراني وصبحه . في ذاك الزمن لم يكن بالشارع كهرباء، وكان يوجد به قهوة ومطحنة على المثلث، وفي فترة العصر يستخدمون (لوكسات) يتم تعبئتها بالكاز وتعلق على الأعمدة، وعندما ينتهي الكاز منها تنطفيء، فلا يبقى هناك إضاءة.

* هل كان لديكم راديو تستمعون اليه؟.

لا، وأول ما عرفنا الراديو عندما سمعناه على باب جامع الحسين، وهو عبارة عن صندوق العجب.

* هل كنت تسمع لمطرب معين؟ .

نعم، فكان المسيطر على الجميع أم كلثوم. فأنا من مستمعي أم كلثوم.

* متى شاهدت مسرحية لأول مرة؟.

كان ذلك عندما ذهبت الى مصر كنت حينها منتسب للقوات المسلحة الاردنية وكان ذلك قبل زواجي حضرت مسرحية وهي اول مرة اشاهد فيها المسرح.

* متى جئتم الى عمان ؟.

عندما اشترينا بيتا في شارع خرفان بـ60 جنيها،مساحته دونم واكثر قليلا، لكن لم يكن معنا حينها الـ60 جنيها كاملة، فذهب والدي إلى شخص اسمه أبو قاسم الديرانية وأخبره بالقصة فأعطاه تكملة الـ60 جنيها دينا، فاشترى والدي البيت وتم تسجيله وعندما صار لديه أموال سدد لأبو قاسم أمواله. وبعد فترة رحلت إلى بيت قمت ببنائه في شارع المطار بقرب جامعة البترا، فضحك علي جيراني وقالوا بأن البدوي يبقى بدوي حيث لم تكن هناك حياة في تلك المنطقة، فكانت الأفاعي والوحوش هي التي تسكن هناك.وقد سكنته مع زوجتي الاولى والثانية ، وضعت كل واحدة من زوجاتي بجناح خاص بها، وقمت بشراء عفش جديد للزوجتين.واذكر ان بيتنا الذي كان في جبل عمان مقابل مدرسة المطران كان الملك طلال رحمه الله يسكن في جبل عمان، وكان حينها الملك الحسين رحمه الله شاب يدرس في مدرسة المطران، و شقيقي احمد كان يدرس في نفس المدرسة فكان عندما يأتي أصدقاء أحمد في المدرسة عندنا للبيت بما فيهم الملك الحسين رحمه الله، وكان الملك الحسين يطلب من والدتي خبز على الصاج، وبعد ذلك تطورت العلاقة بين الملك وأخي وذهبا معاً إلى أميركا للتعلم هناك وبقيت الصداقة مستمرة، فأنا وعشيرتي وأموالنا كلها تحت إرادة العرش الهاشمي.

* ما هو أول راتب حصلت عليه؟.

خمسة جنيهات ونصف، عندما ذهبنا إلى فلسطين كان بدل الغربة 5 جنيهات، وكان راتبي 5ر5 جنيه، فأصبح وقتها 5ر10 جنيه، وعندما تقاعدت من الجيش صرفت المعلولية 5ر5 جنيه. والآن أيضا لي راتب يصلني من الديوان الملكي العامر، حيث صدرت الإرادة الملكية السامية بتعييني شيخا لعشيرتي بني صخر.

* من أي شخص كنت تغار؟.

لا اغار الا من الإنسان الذي أجده أكرم مني فقط، فالرجولة كانت موجودة لدينا والكرم أيضاً، حيث كنا نقوم بأخذ الدين من الأقارب حتى نكرم الضيف.

* ماذا علمتك الحياة؟.

علمتني كل شيء، الصحيح والرجولة والصدق والانتماء لبلدي. واني أوصي دائماً أبنائي وجميع الناس على تقوى الله والصدق والأمانة والإخلاص في العمل وفي الحياة.