خلق الإنسان في القرآن الكريم

خلق الإنسان في القرآن الكريم

محمد التميمي  - آيات خلق الإنسان في القرآن الكريم لا يمكن فهمها في إطار اللغة وحدها على ضرورة ذلك وأهميته بل لابد من إضافة الحقائق العلمية المكتسبة من أجل فهم دلالة هذه الآيات فهما صحيحاً.
ثم الانتقال من هذا الفهم الصحيح إلى إثبات سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى العديد من حقائق هذه القضية، والذي يتعامل معه تحت مسمى oالاعجاز العلمي للقرآن الكريمa.
عمل الدكتور زغلول في ابراز هذا الجانب في ثلاثين نصا من نصوص الكتاب الكريم.. وسنقوم برحلة علمية معه لاستطلاع بعض ما عرضه آملين كشف شيء من الحقائق المهمة المتجددة.
سورة الإنسان.. البداية في الآية الأولى.. oهل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراa وoهلa حرف استفهام لكنها هنا حرف تأكيد بمعنى oقدa، وoالحينa طائفة محدودة من الزمان الممتد، وoالدهرa يطلق على كل زمان طويل غير معين وعلى مدة العالم كله.
وفيها تأكيد أن حيناً من الدهر قد انقضى ولم يكن للإنسان وجود يذكر إلا في علم الله تعالى - وفي ذلك إشارة إلى قصر فترة وجود الإنسان على الأرض بالنسبة إلى غيره من المخلوقات، والعلوم المكتسبة تثبت أخيراً أن الأرض قد عمرت بالحياة قبل خلق الإنسان بآماد طويلة بينما تضرب دراسات اخرى في التيه بأرقام خيالية، وتدعي أنها ثابتة في العهدين القديم والجديد مثلما فعل القس الإنجيلي الايرلندي جيمس أشر كبير اساقفة أرماغ الذي عاش في الفترة من 1581 إلى 1656 في إعلانه سنة 1625م.
فقد اثبتت الدراسات العلمية خطأ دعواه، وتجديف ما أعلنه وفي الاية الثانية: oإنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراًa إشارة إلى خلق الإنسان من نطفة مختلطة أو لقيحة وهو ما لم تصل إليه العلوم المكتسبة إلا في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وفي تقديم السمع على البصر في هذه الآية القرآنية الكريمة، وفي العديد غيرها من سور القرآن الكريم حيث أكدت الدراسات المكتسبة أخيراً في مجال العلوم الطبية تقدم مراكز السمع على مراكز البصر في مخ الإنسان.
وقابل الدكتور بين دعاوى ربط الإنسان بالخلق الحيواني من قبله، وأثبت انهيارها، مثل الافتراض الخاطئ بأن الإنسان اكتسب اللغة عن طريق تقليده لاصوات الحيوان.
وتابع في اكتشاف الاشارة العلمية في الآيتين من سورة الاعراف الحادية عشرة والثانية عشرة منها: ادراك حقيقة قوانين الوراثة التي ترد الناس جميعاً إلى أب واحد، فالخطاب في الآية الكريمة oولقد خلقناكم ثم صورناكمa موجه إلى الناس كافة.. تؤكده الاية السابقة مباشرة اشارة إلى حقيقة أن ذريته جميعاً كانوا في صلبه لحظة خلقه بدليل قوله oتعالىa في نفس السورة:
 وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الأعراف: 172 وبدليل قوله في نفس السورة: oهو الذي خلقكم من نفس واحدةa ودراسات الوراثة تشير إلى دقة هذه الحقيقة القرآنية.
الاشارة إلى تقدير صفات الجنين في بطن أمه عبر مراحل متتالية بوصف التصوير: وذلك انطلاقاً من قول ربنا تبارك وتعالى oثم صورناكمa اي قدرنا صفاتكم الوراثية تقديرا كاملاً.
وعاد الدكتور زغلول النجار ليبحث الاشارات العلمية في الآية 172 من سورة الأعراف: oوإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهمa حيث يدل النص الكريم على أن الله تعالى قد وضع لبني آدم قانون التزاوج، وسن له مؤسسة الأسرة.
وفي قوله تعالى: (من ظهورهم ذريتهم)، ما ثبت علمياً أن غدد التناسل في كل من الذكر والأنثى تنبت أول ما تنبت في موضع محدد بين العمود الفقري وضلوع القفص الصدري لجنين الإنسان، وذلك قبل نزول تلك الغدد إلى مواضعها المخصصة لها من جسم الجنين، وتبقى هذه الغدد تتغذى بالدم والأعصاب من نفس مواضع نشأتها، فكأن جميع خلايا التناسل التي تتخلق في تلك الغدد قد تخلقت أصلاً من مواضع نشأة تلك الغدد.
وبحث الدكتور زغلول مراحل تطور الجنين ليثبت أحقية القرآن الكريم بالسبق إلى ذكرها والإشارة إليها.. ففي قوله تعالى: (خلقاً من بعد خلق..) الزمر:6 اثبات هذه المراحل، وقد سماها القرآن الكريم بأسمائها المحددة.
وفي قوله تعالى: (في ظلمات ثلاث...) الزمر:6 إشارة إلى الأغشية الثلاثة التي تحيط بالجنين إحاطة كاملة فتجعله في ظلمة شاملة، وما كان أحد من الخلق يعلم بهذه الظلمات الثلاث في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، ثم انتقل الدكتور لبحث الإشارات العلمية في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) النساء:1 ، وفي التأكيد على حقيقة الأم الأولى للجنس البشري ذكر روى ليمون في كتابه الأمم المندثرة أن الدراسات الحديثة في علم الاحياء الجزئي قد اثبتت أنه يمكن تتبع السلالات الاحيائية بواسطة النووي الريبي المنقوص الأكسجين في بعض عضيات خلية البيضة المعروفة باسم المتقدرات وهي عضيات غشائية التكوين، شديدة الضآلة في الحجم، عظيمة الفائدة، تسبح في سائل الخلية، وتقوم بتحويل غذاء الخلية إلى طاقة تحتاجها في نشاطاتها المختلفة ومحتوى المتقدرات من الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين لا يورث إلا من الأم فقط، وبطريقة مباشرة، حيث لا يدخل في عملية اختلاط مورثات الأبوين أثناء تكون النطفة الامشاج، وبذلك يمكن تتبع نسب جميع الإناث اللائي يملأن جنبات الأرض اليوم، واللائي جئن من قبلنا واللائي سوف يأتين من بعدنا حتى قيام الساعة إلى أم واحدة هي أمنا حواء عليها السلام من خلال قطيرات الحمض النووي المقدري الموجودة في خلاياهن، وهذا السبق العلمي للقرآن الكريم يشهد بصحته.
وعاد الدكتور زغلول ثانية إلى الآية الثانية من سورة الإنسان ليؤكد أن الإشارة القرآنية إلى خلق الإنسان من نطفة أمشاج -أي مختلطة -يعتبر سبقاً علمياً يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، ثم قدم الدكتور استعراضا تاريخيا لتطور علم الأجنة، وبه ختم مبحثه لينتقل إلى الآيتين: 36 و37 من سورة القيامة، وطرح سؤالاً وأجاب عنه.. ماذا يحدث للجسد بعد وفاة الإنسان؟ وعرض للموت كحقيقة قائمة في حياتنا لا حيود عنها، ولا مهرب منها.. ثم ناقش الدكتور آية سورة الفرقان في محاولة لاثبات قضايا عدة في تفسير قوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديرا) الفرقان:54 ، وذكر الدلالات العلمية للآية الكريمة حيث يعتبر ماء التكاثر من أكثر مخلوقات الله إبهاراً للعلماء وذلك لتناهي مكوناته في الصغر، وتعاظمها في دقة البناء، وحسن الأداء مما يشهد للخالق سبحانه وتعالى بطلاقة القدرة، وبديع الصنعة وإحكام الخلق.. ويمضي الكتاب بنا في رحلة علمية شائقة شيقة فيها بيان السبق العلمي للقرآن بالإشارة إلى خلايا التكاثر، وفي التطابق بين معطيات العلم، وإشارات القرآن في عذوبة لفظ وجمال عبارة، ودقة تعبير وصدق دليل وصحة استدلال وأمانة نقل وتوثيق فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.