هل يمكن الأستغناء عن الحليب و منتجاته؟

هل يمكن الأستغناء عن الحليب و منتجاته؟

د. ريما تيّم الفواز - من المعروف ان الحليب أول طعام يـتـناوله الانسان عند ولادته كما أنه من مشروبات الجنة (وانهار من لبن لم يـتـغيـر طعمه)، والحليب يتكون بنظام عجيب فهو يمر بمراحل معقدة من الجهاز الدموي الى الغدد اللبنية حيث يفرز منها محتويا على معظم الاحتياجات الغذائية للانسان ان لم يكن جميعها.
وكان الانسان منذ القدم ولا يزال يسعى لمعرفة اسرار الحليب ولا يكاد يمر وقت الا ويكتـشف العلم سرا جديدا في الحليب أو اللبن وفى نفس الوقت لا يكاد يكتب عن التغذية والغذاء الا ويرد الحليب كعنصر هام ان لم يكن اهم عنصر من عناصر التغذية ليس فى مرحلة عمريه معينة فقط وانما لجميع مراحل عمر الانسان . ولذلك فان معظم علماء الـتـغذيه يـتـفـقون على أن   الحليب أو اللبن يعتبر وجبة غذائية تامة ان لم تكن كاملة   وذلك لانه يحتوى على معظم الاحتياجات الغذائية للانسان، الا أن الشيء الوحيد الذى يؤخذ على الحليب أن كمية الحديد المتوفرة فيه تقل عن الحاجة اليومية من الحديد للطفل أوللانسان البالغ وهذه الكمية يمكن تعويضها من أي مصدر غذائي آخر مثل اللحوم أو الخضار أو الفاكهة وابسطها قليل من التمر .
ويتميز حليب اللبأ بأنه أول حليب الأم الذي يشربه المولود فى أيامه الأولى بعد ولادته مباشرة فهو يحتوي على نسبة عالية من البروتين والعناصر المعدنية الضرورية للوليد، كما أنه يحتوي على الاجسام المناعية لمعظم الامراض وبنسبة تكفي لاكساب المولود مناعة طبيعية مؤقتة لهذه الامراض ولفترة تمتد الى عدة اشهر.
ما هي محتويات الحليب و منتجاته من العناصر الغذائية؟
يحتوي الحليب على العديد من العناصر الغذائية الصغرى والكبرى فهو يتكون من الـمـاء (3ر87%) و بروتين (4ر3%) و الـدهــون (7ر3) وسكر اللبن (اللاكـتـوز) (8ر4%) والعديد من الفيتامينات (د) و ( أ) و(B21) و (B2) و (B 6) وكذلك المعادن الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والمغنيزيوم والزنك ، لذا فإن الوجبة الخالية من الحليب و منتجاته تنقصها مواد غذائية كثيرة غير الكالسيوم. وفيما يلي الفوائد التغذوية لكل عنصر غذائي في الحليب:
1- الـمـاء وهو الجزء الغالب فى الحليب حيث تتراوح نسبته من 79% - 87% وهوالجزء الذى تعتـبر جميع مكونات الحليب اما مذابة أو معلقة فيه .ولا يخفى على أحد اهمية الماء للكائن الحي.
2- الـبـروتـيـن ويمثل حوالى 3ر3 - 5ر3% من وزن الحليب البقري ويحـتوي على معظم ان لم يكن جميع الاحماض الامينية الضرورية للانسان . ويعد البروتين ذو اهمية خاصة لمراحل النمو المختلفة للاطفـال فهو يعطي لبنات البناء الجسدي لدى الاطفال، وحتى يكون غذاء الأطفال متوازن، يوصى بأن يتـناول الطفل ما لا يقل عن نصف لتر حليب يوميا .
3- الـدهــون وتتراوح نسبتها فى الحليب من 3-4% من وزن الحليب ومذابا فيه بعـض الفيتـامينات الذائبـة في الدهـون وهي فيتامين (أ) وفيتامين (د) وفيتامين (ك) وفيتامين (هـ).
4- سكر اللبن (اللاكـتـوز) وهو من السكريات الثنائيـة وعند تحلله يـنـتج منه نوعيـن من السكر الاحادي وهمـا الجلوكوز والجلاكتـوز.
ويلعب سكر اللبن دورا مهما فى التـغذية حيث انـه يعتبر بـيـئة جيدة للكائنات الدقيقة الـمفيدة الموجـودة في الجهاز الهضمي للانسان هذا بالاضافة الى انه يساعد على امتصاص الكالسيوم وبعض العناصر الصغرى الاخرى مثل المغنيزيوم والزنك في الجهاز الهضمي .
5- الفـيـتامـينات يعتبر الحليب من أفضل الأغذية كمصدر للفيتامينـات خاصة مجموعة فيتامين (ب) وفيتامين (أ) وفيتامين (د) والذي يعتبر غنياً بهما بالإضافة الى الفيتامينات الاخرى .
6- الـمعـادن عند الحديث عن الحليب فان اول ما يخطر بالبال هو الكالسيوم حيث ان الحليب يعتبر اغنى مادة غذائية بالكالسيوم والكمية الموجودة منه فى نصف لتر حليب تعادل الكمية الموجـودة في: 5 كغ لحم بقرى أو 5ر8 كغ من التفـاح أو 3ر6 كغ من البطـاطا .
كما أن الحليب يحـتـوي على حوالي 8ر0% من وزنه على معادن واهمها الكالسيوم والفسـفور والبوتـاسيوم والصوديوم والكلور بالاضافـة الى العناصر الصغرى الاخرى .
7- انزيـمـات الحـليب من عجائب صنع الله سبحانه وتعالى أن الحليب يحتوى على انزيمات عديدة وجميعها لها دور حيوي في عمليات الهـضم والتمثيل الغذائي واهم هذه الانزيمات المعروفة هي الانزيمـات التي تساعد في عمليات هضم الدهون (ليباز) والبروتين (بروتيز) والكربوهيدرات (اميليز).
8 - مواد اخرى وهذه المواد مثل الكاروتين والفلافيـن مما يكتشف العلم الحديث يوما بعد يوم اهميتها بالنسبة للانسان .
ماهي فوائد الكالسيوم الصحية؟ 
* الحد من حدوث لين العظام في الكبار والكساح في الأطفال، وحتى يستفيد الجسم من الكالسيوم بهذا الخصوص يجب تناول كميات كافية من فيتامين (د) وكذلك التعرض لضوء الشمس حتى يتمكن الجسم من تنشيط فيتامين (د) والاستفادة منه لترسيب الكالسيوم على العظام.
* يساعد كل من الكالسيوم وفيتامين (د) أيضاً في الحد من إحتمال الإصابة ببعض الأورام السرطانية وعلى الأخص سرطان الثدي والبروستاتا و القولون.
* الكالسيوم مهم لتنظيم ضغط الدم و يقوم بالعمل على    إسترخاء   الأوعية الدموية.
ومن الجدير بالذكر أنه بعد سن الخامسة والثلاثين تصبح هناك عملية فقدان متواصل لكثافة العظم ويكون هذا الفـقدان اكبر واسرع بعد سن الاربعيـن، وإذا لم يكن لدى هذا الشخص مخزون جيد من الكالسيوم (ويتم ذلك بالاهتمام بتنـاول اغذيـة غنية بالكالسيوم كالحليب ومنتجاته وغيره) فى مراحل نموه الاولى وحتى سن الخامسة والثلاثين فان هذا الـفـقد يؤدي الى الاصابة بمرض هشاشة (ترقق) العظام حيث تكون العظام هشة وقابلـة للكسر بسهولة. وينـتـشر هذا المرض بين النساء بكثرة خاصة اللائي ليس لديهـن مخـزون جـيـد من الكالسيوم وبعد سن الخامسة والاربعين، فقد وجد أن سيدة من بين 4 سيدات تـعـدين سـن الستيـن تكون عرضة للاصابة بكسور فى عظم الحوض أو العمود الفقرى نتيجة قلة تناول الحليب أو الأطعمة الغنية بالكالسيوم. والارقام التالية توضح احتيـاج الجسم من الكالسيوم للاعمار المختـلفة وكمية الحليب التي يـتـوفر فيها هذا الاحتياج بمعيار الكاس.
1 يوم - 6 اشهر 360ملغ كاس حليب 6-12 شهر: 540ملغ 5ر1 1-10 سنوات: 800 ملغ 2 11-18 سنة: 1300ملغ 4 البالغين: 1000ملغ 3 الحمل والارضاع: 1300ملغ 4 النساء بعد سن 40: 1500ملغ 5ر4
ما المواد التي تقلل من الاستفادة من الكالسيوم الموجود في الحليب؟
بالرغم من وجود الكالسيوم بكميات كبيرة في الحليب إلا أنه من السهل أن يتأثر امتصاصه بعدة مواد موجودة بالطعام، ومنها على سبيل المثال: * حمض الفسـفور المضاف لبعض الاغذية والمشروبات يعتـبر من المواد التي تـقلل الاستـفادة من الحليب حيث انه يؤثر على امتصاص الكالسيوم فى الجسم.
**المواد المحتوية على أيونات سالبة ثنائية مثل الأوكسالات في الخضراوات الورقية وأهمها السبانخ وحمض الفيتك والموجود في نخالة القمح مما يؤدي الى ارتباط هذه المواد مع الكالسيوم ومنع امتصاصه والاستفادة منه.
كيف يمكن التعامل مع عدم تحمل سكر الحليب اللاكتوز؟
تعرف حالة   عدم تحمل سكر الحليب    بعدم قدرة الجهاز الهضمي للمريض على هضم سكر الحليب (اللاكتوز) الموجود في الحليب وبعض منتجاته، وتحلله إلى وحداته البنائية (الغلوكوز والغالاكتوز)، وما تسببه من انتفاخ وآلام وإسهال في الأمعاء نتيجة تجمع الغازات داخلها.
وترجع أسباب المرض إلى عدم توفر إنزيم oاللاكتيزa، اما لقلة تصنيعه بسبب خلل وراثي أو كثرة شرب الحليب بطريقة مفاجئة وبدون اعطاء فرصة للجسم لتكوين كميات كافية ومكافئة من الأنزيم لهضم الحليب المتناول، وعادة يبقى هذا الإنزيم نشطاً طوال حياة الإنسان، ويقل نشاطه في بعض الأطفال في المرحلة العمرية بين 8 إلى 9 سنوات.
ويكون علاجه الغذائي على النحو التالي: 
* يجب تحديد ما يتناوله المريض من الحليب ومنتجاته كالأرز بالحليب والمهلبية والأغذية الأخرى المحضرة من الحليب حسب درجة تحمل جسم المريض.
* ينصح المرضى الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز بتناول لبن الزبادي والجبن بدلاً من الحليب وذلك لأن اللاكتوز الموجود بهما قد تحول جزئياً بفعل التخمر إلى حمض اللبن.
* يمكن إضافة مستحضرات إنزيم اللاكتيز إلى الحليب قبل شربه.
الدراسات الدالة على أهمية تناول الحليب ومشتقاته:
بالرغم من أن العديد من الدراسات اثبتت أهمية تناول الحليب ومشتقاته في مراحل العمر المختلفة، إلا أننا نجد دراسات أخرى تشير الى تدني تناول الحليب في هذه المراحل العمرية، فقد أجريت دراسة في أحدى الجامعات الأردنية على عينة من طلبة الجامعة وخلصت الى أن مانسبته 50 % من الأناث و30% من الذكور من طلبة الجامعة لايتناولون الحليب اطلاقاً بينما 55% (أناثاً وذكوراً) من هؤلاء الطلبة يتناولون المشروبات الغازية بمعدل يومي.
وللحليب أهمية مثبتة في كل من:
1- صحة العظام: ينتج مرض هشاشة العظام ( Osteoporosis) من نقص ترسيب الكالسيوم في العظام ويتعرض المصابون به بكسور العظام بسهولة مما يؤدي إلى شعور بألم مزمن في العظام وخوف دائم وقلق وشعور بالكآبة وعدم القدرة على الحركة وقد بينت الدراسات أن تناول الكالسيوم بكميات كافية طوال سنين العمر يعمل على تقليل نسبة الإصابة بالمرض. كما وضحت دراسة أخرى أن التناول المنتظم واليومي للحليب أو لمكملات الكالسيوم يقلل من فرص الإصابة بهشاشة العظام الى 90%، وذلك على عكس نتائج تناول الحليب أو مكملات الكالسيوم بشكل متقطع وغير منتظم.
2- التـطور الذهني للاطفال: اجريت عدة دراسات لمعرفة مدى اسهام الحليب فى التـطور الذهني للاطفال وكان اهمها الدراسات التي اظهرت انه حتى فى الاطفال الذين لا يوجد لديهم أي نقص في التغذية يمكن للتطور الذهني أن يتأثر بصورة واضحة بالتغذية المتكاملة، فقد تم تـقسيم مجموعة كبيرة من اطفال المدارس الى قسمين قسم يتناولون الحليب والقسم الاخرعصير فواكه مختلفة اثناء الفسحة المدرسية، وبعد عدة اشهر اجريت اختبارات على المجموعتين لمعرفة مدى تأثير استخدام الحليب على الانجاز الفكري لهؤلاء الاطفال ، وقد كانت النتيجة تطور ذهني لا سيما في مجالات المنطق والتفكير والـمرونة العقلية للاطفال الذين انتظموا فى تناول الحليب .
كما اجريت عدة دراسات على تأثير الحليب على انجاز الاطفال في المدارس في العديد من دول اوربا وفي امريكا وقد كانت جميع النتائج تشير الى ان انـتـظام الاطفال في شرب الحليب في سن المدرسة كان له تأثير ايجابي واضح في التركيز والمنطق والخيال والتحمل الجسماني والنشاط والابداع.
همسة أخيرة:
يجب الحرص على أن يكون الحليب أو اللبن من أهم المواد على الموائد، كما يجب تعويد الاطفال ليس على استخدامه فقط بل على حبـه لما فيه من فوائد لا تـخـفى على أحد ولأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال الاستغناء عنه أو عن منتجاته.
الجامعة الهاشمية
قسم التغذية السريرية والحميات