زاد عدد المواجهات التي خاضتها قوات الزعيم السوري ابراهيم هنانو مع قوات الاحتلال الفرنسي على مائة مواجهة كان النصر فيها جميعاً حليف المقاومة الوطنية الباسلة.
وكما هو شأن المحتلين دائما. فقد لجأ الفرنسيون الى المكر والخداع والى «الاعتراف» بالمقاومين توطئة للعمل الهادئ على افشالهم، فكان ان عرضوا على ابراهيم هنانو ان يكون رئىساً مستقلاً بالمناطق التي يسيطر عليها المقاومون، وهو امر صدع الزعيم الفذ برفضه لانه يعلم ما وراءه من كيد من جهة، ولانه زعيم وطن لا زعيم فئة من الناس او ناحية من النواحي من جهة اخرى.
ولما قطعت الامدادات عن ابراهيم هنانو ورجاله، وفقد في الوقت نفسه اكبر من كانوا يشدون ازره وينصرونه وهو الشهيد يوسف العظمة. جاءته رسالة من الامير عبدالله امير شرق الاردن آنذاك تؤكد استعداده لدعمه بالسلاح، فتوجه من مكمنه في جبل الزواية الواقع بين حماة وحلب، مع اربعين من رجال المقاومة ميمماً شطر الاردن.
وعلى مقربة من حماة كمن الفرنسيون بقوات كبيرة لابراهيم هنانو ولمن معه من المجاهدين، فقتلت من قتلت منهم، واسرت من اسرت، على حين نجا هو وواحد من رجالاته، وتوجّها الى عمان التي ما لبث ان غادرها الى فلسطين، الامر الذي دفع الفرنسيين الى عقد اتفاق «خاص» مع الانجليز يقضي بتبادل (المجرمين)، تم تسليم ابراهيم هنانو بموجبه الى الفرنسيين بعد اعتقاله من قبل القوات البريطانية في القدس في الثالث عشر من آب لعام 1921م.
لقد ادهشتني وقائع سيرة ابراهيم هنانو، ذلك الرجل الذي ينحدر من اصل تركي، والذي كان من اكبر المدافعين عن الامة العربية. وأدهشني قوله: إن على الشباب العربي ان ينصر الحق ويكون عوناً له، وأي حق اعظم من حق الوطن على بنيه؟ وإن على الشباب العربي ان يفخر بعروبته، مبعث عزته، وبقومه مبعث فخره..
واذا كان ابراهيم هنانو قد قبض عليه في السجن العسكري في حلب، وشكلت له محاكمة عسكرية من خمسة ضباط فرنسيين، وقال النائب الفرنسي العام وهو يطالب باعدامه في 25 آذار 1922: «لو كان لابراهيم هنانو سبعة رؤوس لطلبت اعدام رؤوسه السبعة، ولكنه لا يملك الا رأساً واحدا»، فإن ثمة محامياً وطنياً عروبياً قوي العارضة، ساطع الحجة، هو «فتح الله صقال» قد اثبت عدم صلاحية المحكمة في محاكمة الزعيم الكبير، وان ثورته مشروعة فهو مقاوم ووطني غيور لا «ارهابي!» ولا «مجرم!»، ثم ان الفرنسيين اضطروا، خشية اندلاع ثورة عارمة تزلزل الارض تحت اقدامهم، الى الافراج عنه، ليستقبل في حلب استقبال الابطال، قبل ان يتولى زعامة الحركة الوطنية السورية بعد ذلك، ويخوض جهاداً سياسياً وتربوياً ما يزال صداه في الاذهان، وخاصة جهاده من اجل اللغة العربية وضرورة التمكن منها، بصفة ذلك مدخلاً الى دراسة آداب العرب وحضارتهم المجيدة.
تلك الصورة مشرقة من وطني سوري، تركي الاصل، آمن بالعروبة، بما هي مناخ ثقافي وقيمي.. وهو ترجمة عملية لما كنت كتبته امس في هذه الزاوية عن معنى العربية والعروبة..
وهي شهادة من مئات، تنبّه الغافلين الى ان امتنا لن تموت ما استمسكت بلغتها واسلامها، وما اعتصمت بحبلهما الوثيق...