خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

البرديات العربية.. مدونات لحقوق المرأة

البرديات العربية.. مدونات لحقوق المرأة

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

د.عباس عبد الحليم عباس* -  لا شك أنّ تراثنا المخطوط ما يزال بحاجة إلى أيدٍ أمينة تتعهده بالدرس والعناية، لتتضح لنا جوانب فكرية وحضارية ما تزال هي الأخرى بحاجة إلى شغل وجهد كبيرين، وفي هذا السياق تأتي جهود أساتذة وأكاديميين اتخذوا من خدمة أمتهم وتراثهم رسالة ومهمة وأمانة، ود.جاسر أبو صفية أحدهم بكل تأكيد، ومن إسهاماته في هذا الصدد دراسته الجديدة: ''حقوق المرأة في البرديات العربية'' التي كان الغرض منها بيان حقوق المرأة في الوثائق البرديّة العربيّة، على ضوء الكتاب والسنّة النبويّة. وهو موضوع يعتمد اعتماداً أساسياً على الوثائق الشّرعيّة من مختلف العصور الإسلامية، ومقابلتها بما جاء في كتب الحديث والفقه والسّيرة.
وأما خطّة هذا البحث فرسمها المؤلف كما يأتي:
* فَرش: يبيّن أهمية البرديّات الفقهية في تقديم صورة مشرقة للمرأة المسلمة، وتمتّعها بحقوقها كاملة في كلّ المجالات. وهي صورة مستوحاة من أوامر الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم.
* الفصل الأول: دراسة لما جاء في الأحاديث النبويّة وكتب الفقه حول حقوق المرأة. ثمّ دراسة مفصّلة لمضمون الوثائق البرديّة التي تبيّن حقوق المرأة.
* الفصل الثاني: نصوص الوثائق البرديّة كاملة محقّقة، ويتلوها صور الوثائق التي استطاع الحصول عليها، ثمّ خرائط تبين مواقع بعض المدن التي ذكرت في النّصوص. وقد أشير في مقدّمة الفصل الثّاني إلى المنهج الذي اتّبع في تحقيق النصوص.
بدأت العناية بالبرديات العربية والتنقيب عنها -كما ورد في صحيفة ''شرفات'' السورية- عندما عثر بعض الفلاحين مصادفة في محافظة الجيزة بمصر في العام 1824 على جرة صغيرة من الفخار وبداخلها لفافتان من ورقة البردي، حيث احتفظ بهما قنصل فرنسا في مصر وأرسلهما إلى المستشرق الفرنسي المعروف ''سلفستر دي ساسي'' الذي نشرهما في مجلة العلماء الصادرة في باريس في العام 1825، وكان هذا سببا لتسابق قناصل دول أوروبا وأميركا في مصر لشراء البرديات. وبعد سنوات قليلة تكونت مجموعات عالمية للبرديات في عدد من الدول الأوروبية وأميركا وظهرت أنواع من البرديات منها اليونانية واللاتينية والآرمية والعبرية والقبطية والعربية.. ويرجع الفضل للمستشرقين في البدء بالدراسات والبحوث المتعلقة بالبرديات، واشهرهم على الاطلاق العالم النمساوي ادولف جروهمان الذي ألف دراسة موسعة حول البرديات العربية من عشرة مجلدات محفوظة بدار الكتب المصرية.
تعدّ البرديات من الوثائق القديمة النادرة، وقد كتبت على نوع معين من الورق المصنوع من نبات البردي وتكون على شكل لفافة قصيرة أو طويلة حسب الموضوع الذي تتحدث عنه، وهي تختلف عن المخطوطات التي تكون مكتوبة على ورق عادي يسمى ''الكاغد''، وتتألف من صفحات عدة، والعمل في البرديات ونشرها يختلف عن العمل في المخطوطات ويحتاج إلى صبر وتأن وخبرة لأنها تكون في معظم الأحوال محفوظة داخل جرار فخارية أو صناديق، وورق البردي معروف بأنه سريع العطب والتقصف ولا يحتمل الضغط، لذلك يحتاج إلى خبرة للحفاظ عليه، والتعامل معه.
ولعلّ من المفيد أن مهّد د.جاسر لذلك بالحديث عن كتابات الفقهاء في هذا الموضوع قائلا: ''اعتمد الفقهاء فيما كتبوا عن المرأة وحقوقها، على ما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبويّة المشرّفة، شارحين ومفصّلين، كل حسب المذهب الذي يعتقده. وجاءت كتبهم حافلة بآراء أئمة المذهب وتلاميذهم في مختلف المسائل التي تخصّ المرأة، حتى وجدنا كتباً خاصة تحمل عنوانات تدلّ على فقه المرأة، مثل كتاب (أحكام النّساء) لابن الجوزيّ، و(أحكام النّساء) للإمام أحمد بن حنبل، و(أخبار النّساء) لابن قيّم الجوزيّة. ويقال هو لابن الجوزيّ.
ولكن كل ما كتبه الفقهاء الأجلاّء عن المرأة وحقوقها، سواء كان ذلك ممّا جاء في الأحاديث النبويّة، أو في السنّة المشرّفة، أو ما اجتهدوا فيه، لا يعدو الجانب النظري في معالجة المسألة؛ إذ لم يسجّل لنا الفقهاء نصاً واحداً يُعدُّ وثيقة معتمدة تبين حقوق المرأة. واكتفت كتب الشروط والوثائق بذكر أمثلة مصنوعة في مختلف أبواب الفقه.
أما الباحثون المحدّثون، فقد نقلوا ما قاله الفقهاء القدامى، وشرحوه، وفصّلوا القول فيه، وسطّروا كتباً وبحوثاً كثيرة حول المرأة وحقوقها في الإسلام، على ضوء الكتاب والسنّة النبويّة؛ حتى أصبحت الكتابة في هذه المسألة لا مجال فيها لجديد؛ فكلّ الكتب والبحوث التي كتبت في حقوق المرأة تنهل من مَعين واحد، وينقل بعضها عن بعض كلاماً مكروراً. ورأيت كثيراً ممّن كتب في حقوق المرأة عيالاً على كتاب عبد الحليم أبو شقّة (تحرير المرأة في عصر الرّسالة)، حتى في العنوانات الرئيسية والفرعية وطريقة العزو إلى الأحاديث. وأوضح مثالٍ على ذلك كتاب الصدّيق المرحوم د.إبراهيم النجّار الموسوم (حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية - دراسة تأصيلية من فقه القرآن الكريم والسُنّة النبويّة والآراء الفقهية المعتمدة)''.
ويؤكد أبو صفية أن البحث في حقوق المرأة في هذا العصر الذي اضطربت فيه الأمور، وضُيّعت حقوق المرأة، يحتاج إلى وثائق شرعية مكتوبة من قِبَل أصحابها، لتكون دليلاً قوياً، بعد الكتاب والسنّة، على تمتّع المرأة بحقوقها كاملة في مختلف المجالات: الاجتماعية والماليّة، وأنهها لم تكن عضواً خاملاً في المجتمع، كما يَردُ في الافتراءات الغربية حول مكانة المرأة في الإسلام، وفي كتابات من شايعهم مِنَ المفتونين بالثّقافة الغربية، دعاة تحرّر المرأة من العرب.
ويضيف الباحث أن من فضل الله تعالى ومنّه على الأمّة الإسلامية عامّة، والمرأة المسلمة خاصة، أن اكتُشِف في مصر، أواخر القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي، وأوائل القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، وثائق فقهية كثيرة جداً، مكتوبة في ورق البَرْديّ (القرطاس)، أو في الورق أو الكاغد أو الرُّق أو الجلد، تتضمّن معلومات كثيرة مهمّة في المعاملات الفقهية المتنوّعة، ولا سيّما في فقه المرأة وحقوقها. ومن بين هذه الوثائق عقود زواج، وشهادات بمعرفة المرأة التي ستتزوج، وأنّها خالية من موانع النكاح، وعقود طلاق وخُلع، وعقود نفقة زوجات وأولاد، يتّضح منها صورة مشرقة للمرأة ووظيفتها الاجتماعية، لا توجد في أيّ مجتمع غير المجتمع الإسلامي. كما تقدّم الوثائق البرديّة الفقهية صورة جليّة لمشاركة المرأة في الأمور التجارية من بيع وشراء وكراء، عدا ما تضمّنته من مسائل في ميراث المرأة وإقرار بِدَيْن أو إقراض، تدل على استقلال المرأة مالياً.
وتكشف دراسة د.جاسر لهذه الوثائق عن اهتمام المسلمين بكتابة عقودهم وتوثيقها، عملاً بقول الله تعالى: ''يا أيُّها الّذين آمنوا أوفوا بالعُقود'' (المائدة: 1). ومعنى ذلك، كما نقل القرطبيّ عن الحسن، ''يعني بذلك عقود الدَّين، وهي ما عقده المرء على نفسه، من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة، وتمليك وتخيير وعتق وتدبير، وغير ذلك من الأمور''.
وبعد بذل الجهد في جمع الوثائق البرديات يتّضح - مما له صلة بالمرأة وحقوقها- أنّ المسلمين قد بلغوا الغاية في كتابة عقودهم وتوثيقها على اختلاف أنواعها.
وبالرجوع إلى الدراسات الحديثة حول حقوق المرأة في الكتاب والسُنّة التي قَتَلت هذه المسألة بحثاً نظرياً مكروراً، والظن بأن المرء لن يضيف جديداً إلى ما كُتب، يرى د.جاسر أنّ الجديد في هذا الباب هو بيان حقوق المرأة كما جاءت في الوثائق البرديّة الفقهية، التي تعدّ بحق إنفاذاً عملياً لما جاء في القرآن الكريم والسُنَّة النبويّة المشرّفة. وهي وثائق مؤرّخة في العصر الذي كتبت فيه، ليست مصنوعة، ولم يطّلع عليها فقهاؤنا الأجلاّء ولا الباحثون المحْدَثون.
ولمّا كانت هذه الوثائق أنصع بيان وأبلغ حجّة على مكانة المرأة في المجتمع، وتمتّعها بحقوقها، فلسنا بحاجة إلى وضع الإسلام في قفص الاتهام -كما يرى الباحث- لنفنّد أكاذيب المستشرقين والمستغربين وافتراءاتهم حول المرأة ومكانتها في المجتمع المسلم.
وتقتضي طبيعة هذا البحث أن تذكر المسألة التي تبيّن حقّ المرأة في الأحاديث النبويّة أو السُنّة المشرّفة أو كتب الفقه. ثمّ يتلو ذلك إيراد نصّ الوثيقة البرديّة التي فيها ذكر لحقّ المرأة. وإن لم يرد ذكر للمسألة في الأحاديث النبويّة وكتب الفقه، فيكتفى بذكرها ومناقشتها في الوثائق البرديّة ؛ لأنّها ترجمة فعليّة، كما أشرت آنفاً، لما جاء في السنّة النبويّة، مما لم يُتح للفُقهاء الأجلاّء الاطلاع عليه.
بناء على ذلك كانت الوثائق الفقهية التي درست في هذا البحث: عقود الزّواج والطّلاق الخُلع والإبراء والنفقة، وعقود البيع والشراء والعتق والكراء والشّراكة والمكاتبة والوقف والشّكاوى، إلى غير ذلك من المعاملات المالية التي كانت تتولاّها المرأة.


* ناقد أردني

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF