من الحقائق التي اتضحت صورتها في الواقع العربي مؤخرا هو انه واقع مأزوم لا يستطيع فيه الفرد والجماعة من التحرك لانتاج الحياة والقيام بالنشاط الحيوي لأن القدرات محدودة في مجال حيوي عربي واعني بالمجالين المادي والمعنوي، وحيث لا بد ان تخلق مجالات حيوية تأخذ بضرورة تأمين الانسان العربي منفردا ومجتمعا من استبداد الآخرين وبهذا الشرط ترتسم المجالات الحيوية لتكون الدول، اي ان مجالاتها الحيوية تمكن الافراد من الحركة وممارسة النشاط الانساني لاعادة العمل في «ماكنة» صنع وانتاج الحياة.
ان مفهوم المجال الحيوي العام تتأكد أهميته من خلال ظهور نظريات ومشاريع جديدة كان ابرزها النظام العالمي الجديد كدائرة واسعة تتضمن مفهوم العولمة كإطار ضيق ومن خلال هذه المشاريع المفروضة على المنطقة العربية او الشرق اوسطية برزت فكرة المجال الحيوي للدول القوية المهيمنة، وفي الألفية الثالثة أخذت السماء العربية تتلبد بغيوم المشاريع القادمة من خارج الشرق الاوسط لايجاد اسس جديدة للعالم لتؤمن وجود فضاء كوني حيوي واحد للقطب الاوحد في العالم، في ظل ذلك تبرز اهمية وجود فضاء حيوي عربي لمواجهة الفوضى الحاصلة في العالم نتيجة محاولات تطبيق المشاريع بأساليب تسلطية وهيمنة واضحة.
لقد اتسم النظام العربي بسن قوانين تبعد الصراع في عن مجاله الحيوي الداخلي واصبح من واجب كل منتم للدولة العربية الحفاظ على المجال الحيوي العام ضمن ما يدعى بالمواطنة وامن الحدود ومصالح المواطنين ومصالح الوطن والدولة. وحيث فرض الزمن المعاصر على كل دولة ان تحدد مجالها الحيوي بما يلائم مصالحها، لكن هناك محاولات مستحيلة ومستفيضة لاحتواء وتفكيك البنى وفصم العرى للروابط القومية من خلال ضرب الهوية وتشويه التاريخ وصهر الجغرافية الارضية والمعنوية للوطن العربي ومحاولات ضرب المجال العربي الحيوي الواحد، ومن هناك ينبغي على المجال الحيوي العربي ان يظل واحدا حيث ان مجال اية دولة عربية هو في مجموعة المجالات العربية، وكذلك على العرب خلق مجال عربي واحد يجدون فيه مصالحهم وامنهم واستقرارهم وتعاونهم على اسس انسانية لمواجهة الاخطار التي تداهمهم .. ان ابسط الامثلة على هزيمة المشاريع الواردة هو فرنسا واليابان ومنظمات كالاونيسكو التي تمسكت جميعها بثقافتها وحضارتها وهويتها وعلاقاتها بالعالم.
ان الظروف الموضوعية للواقع العربي ترتسم بصورة تحدٍّ تواجهه الامة العربية بالمشاريع المستخدمة والمنتجة خصيصا لها دون الاخذ في الاعتبار السمة الخصوصية العربية مما يطرح السؤال حول المصير العربي ومصير القيم والتاريخ والدين والحضارة والتراث؟ ولعل قوة التحدي تتمثل بالسؤال عن تنمية القدرات التقنية والانتاجية والاقتصادية والسياسية والثقافية دون خسارة السمة الاساسية وهي الخصوصية؟
ان التحدي الذي تواجهه الأمة العربية ينبغي ان يواجه بتحد مقابل وهو الالتفاف حول برنامج حركة يؤمن مسألة وجود فضاء عربي واحد ليؤمن بدوره حرية الحركة لانتاج حياة انسانية قادرة على الحياة والتحدي وقد يكون ذلك في ايجاد تكتل، اقتصادي واحد متكامل يفتح الابواب على مصاريعها للتعامل مع العالم كتكتل بديل عن التكتلات العالمية التي تهدد الاقتصاد العربي.
كما ان دراسة الوضع التعليمي العربي ووضع تشريعات متناسبة مع كل قطر كما ان اشاعة الروح الديمقراطية المتفاعلة والمتحركة دوما لانتاج حياة مستمرة جديدة على الدوام لعل من اسباب طرح مشاريع الاصلاح تارة والديمقراطية تارة اخرى والعولمة مرة ثالثة هو ان التراكم التاريخي للأمة العربية كان ينتابه شيء من الفوضى الفكرية لفهم الحضارة والتراث العربيين مما اضعف الثقة بهذا التاريخ وتسللت الى الاذهان حالات الوهن والعجز. الامة العربية امام التحاق القدرة على استمرار الحياة العربية والواقع امام امتحان حول قدرته على مواجهة التحديات فهل من أمل؟