بيان القمة العربية بدا وكأنه استعادة لحلم قديم راود عدة أجيال عربية أو تذكير بالهدف المهم الذي لم يتحقق بعد والأمل الذي لا بد من التذكير به لعل جيلا قادما يلتقطه في لحظة أو ظرف ما، وبخاصة ما ورد حول التمسك بالتضامن العربي والروابط القومية وما يجمع أبناء الأمة من أواصر، والتمسك بأهداف الأمة العليا وما يحفظ أمنها القومي ويصون كرامتها وحقها في الدفاع عن حقوقها ومواردها ومكانتها ويجسد أهدافها المشتركة.
معان كثيرة وردت ايضا في البيان الختامي للقمة منها تعزيز الديموقراطية وترقية حقوق الإنسان وفتح المجال للقطاع المدني وتمكين المرأة من حقوقها وحماية الأسرة.
وجميعها تبدو وكأنها مستحقات إنسانية تأخر استحقاقها ولا زال النظام العربي يقف إزاءها موقف المتردد المضطر يفتح الباب أمامها مواربا، ويضع أمامها المتاريس والمحاذير تارة بحجة التراث وتارة بحجة الأمن وتارة بحجة الحاجة لإحداث التغيير على مراحل، لكن الإشارة إليها في قرار القمة وتأخر وصولها يشير إلى الحال العربي في صورته الداخلية والحاجة الحقيقية إلى التغيير الذي يحقق التقدم ويحفظ قيم الأمة ويحرر الإنسان من الداخل ويجعل من الحرية فضاء متاحا لكل أبناء الوطن بما يرتبه ذلك من حقوق والتزام ومسؤولية ومواطنة كريمة.
الإصلاح في هذه المفاهيم والالتزام الحقيقي بها أولا هو في الحقيقة قاعدة الإصلاح السياسي الذي تنشده الأمة، والبناء الأساسي الذي يقوم عليه الإصلاح السياسي والمشاركة الإنسانية في المجالين السياسي والاقتصادي على حد سواء.
هناك خلل في عمارتنا الإنسانية الداخلية يبدأ من ثقافة القمع داخل الأسرة والمدرسة والمؤسسة وفي العلاقة بين الدولة والمواطن وغياب أسس المواطنة الكريمة وحقوقها وواجباتها في مناخ التسلط الذي عايشه المواطن العربي جيلا بعد جيل، ونزع منه حقه في حرية الرأي والمشاركة والبوح والاحتجاج وطلب الحق المشروع في وطنه بالعيش الكريم واحترام حقوقه وإنسانيته.
تأتي بعد ذلك قضية إصلاح مجلس النظام العربي ومكان لقائه وقراراته، الجامعة العربية التي أصدرت من القرارات والأماني والاستراتيجيات والآمال في السنين الستين الماضية ما يكفي لإصلاح الشأن العربي لكنها قرارات لم تحترم ولم تفعل، ولم يلتزم بها، فتحولت الجامعة مع الزمن إلى ماكينة للكلام والقرارات التي تعبر عن الحلم ولا تمثل الواقع ولا تغير منه شيئا.
ومع أن ما تحقق للجامعة نفسها في هذا المؤتمر من فرصة لإصلاحها ودعمها يشير في الأساس إلى التقصير الذي لحق بالجامعة وحرمها طويلا من أبسط مستلزماتها المالية فضلا عن إهمال قراراتها.
ومع ذلك نتفاءل بما أقر من تعديلات على ميثاق الجامعة في مسألة التصويت على القرارات الهامة، وإقامة برلمان عربي والتوجه لإقامة مؤسسات أخرى كمحكمة عدل عربية ومجلس أمن عربي وسوق عربية حرة، وهيئة جمرك عربية وسوق عربية مشتركة وجميعها لا زالت في طور الأفكار والنشأة الأولى التي تحتاج إلى الدعم والرعاية والالتزام.
وهذه الجملة من الأفكار تحتاج إلى زمن غير قصير للتفعيل حتى لا تصطدم كثيرا بالسياسات القطرية التي تعيق المعنى القومي الجامع لمصالح شعوب الأمة كما تحتاج إلى الرعاية والدعم ونجاحها أو تعثرها سيكون المقياس الحقيقي للمعاني التي وردت في مقدمته بيان القمة والحلم العربي الذي انتظر طويلا في ملفات القمم وقراراتها.
رياح الإصلاح التي انعكست في قرارات إصلاح الجامعة والمطالب الإنسانية في ثنايا قرارات القمة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تخللت سائر مفاهيم النظام العربي في الأطر الداخلية التي تحكم الدول نفسها، فإذا تحققت هذه المفاهيم في أقطارنا وأنظمتنا ومجتمعاتنا وسلوكنا السياسي والاجتماعي يمكن أن تنعكس كأمر واقع ومؤثر في قراراتنا الجماعية دون أن ينظر إليها هذا الطرف أو ذاك بشك أو تحوط أو خطورة، فالأصل أن نزرعها في سلوكنا السياسي ونظرتنا الإنسانية لمجتمعاتنا وإنسانيتنا ومفاهيمنا الوطنية، وان توفق بينها وبين ظروفنا القطرية.
ما ورد عن السلام قد لا يغير من أزمتنا المتمثلة في ضعف أحوالنا أمام أعدائنا وأمام الضغوط الخارجية علينا، وما ورد حول قضايانا الكبرى يحمل معنى الدعم المعنوي ويقصر عن الدعم الفعلي في كثير من الأحيان، فقضايانا الرئيسية لم تعد ضمن قدرتنا الفعلية ونوايانا تجاهها قد تعكس رغبتنا، ولكنها بالتأكيد لا تعكس قدرتنا في هذه المرحلة والاتجاه لفتح أبواب التعاون الدولي والتحرك لكسب الرأي العام العالمي شأن مهم والأهم أن نفتح أبوابنا وقلوبنا للتعاون والتماسك العربي العربي، وبناء الثقة بين العرب أنفسهم، فذلك يعزز دورنا ومسيرتنا في العالم.
وإذا نجح مقترح إيجاد هيئة فاعلة لمتابعة تنفيذ قرارات القمم العربية نكون قد بدأنا بداية سليمة في إصلاح القرار العربي وإيصاله إلى غايته وهذا هو المؤهل في المرحلة المقبلة.