فيلم ( الحب في زمن الكوليرا ) .. مشهدية بصرية تفتقد الاحساس بجاذبية اجواء ماركيز

فيلم ( الحب في زمن الكوليرا ) .. مشهدية بصرية تفتقد الاحساس بجاذبية اجواء ماركيز

ناجح حسن - على الرغم من اشتغالات الروائي الكولومبي الحائز على نوبل للاداب غابريال غارسيا ماركيز على السينما واشرافه الدؤوب على مجاميع في ورش لكتابة السيناريو ..الا ان ابرز اعماله الروائية ظلت بعيدة عن الاقتراب من عالم السينما ونجومها الا ما ندر في اكثر من محاولة صاغها ابداعيا حفنة من المخرجين القادمين من بلدان اميركا اللاتينية وايطاليا وانكلترا .
نسوق هذه المقدمة بعد ان شاهد عشاق السينما قبل عقدين من الزمان فيلم '' قصة موت معلن '' الذي يحمل توقيع المخرج الايطالي فرانشيسكو روزي احد ابرز رواد الواقعية الجديدة في السينما الايطالية .. وحديثا جاءت محاولة المخرج البريطاني مايك نيوويل صاحب افلام : '' دوني براسكو '' ..
'' اربع زيجات ومأتم '' في افلمة رواية ماركيز الشهيرة '' الحب في زمن الكوليرا '' الذي استقبل بجدل لا زالت فصوله لم تنته الى هذه اللحظة .
ولئن كانت عروض الفيلم في الصالات العالمية - لم تتمكن صالاتنا المحلية من ترويجه بعد - قد استقطبت متابعي اعمال هذا الاديب بغية العثور على جماليات السينما في احداث روايته .. الا ان الفيلم كان بمثابة الصاعقة التي نزلت عليهم نظرا لافتقاد الفيلم حرارة الرواية الاصلية وللتعسف الذي فرضه المخرج على تحولات الشخصيات حيث احاطها الفيلم في قالب من الدعابة والمواقف الكوميدية التي لا تحتمل الثيمة التي كتب فيها ماركيز رواية '' الحب في زمن الكوليرا '' .
لا يدنو فيلم المخرج نوويل من الالمعية التي امل المشاهد ان يعثر عليها في مشهدية بصرية مبتكرة لما تشتمل عليه احداث الرواية.. وجاء على تلك النمطية المكرورة التي عادة ما تفيض بها السينما الاميركية في اشتغالاتها على امهات الروايات العالمية فاستعادة الحقبة التاريخية بدت هشة وتقريرية عما عهدناه في المسلسلات التلفزيونية وكانت تتأرجح بين اشكال من المعالجات السينمائية المتباينة اللصيقة بالانماط الكلاسيكية البائدة .
اذن لم يكن من الغرابة ان يجهر النقاد وفي معيتهم جمهرة من النخبة المهتمين بادب ماركيز برفض الفيلم والتنديد به واعتباره واحدا من جنايات السينما على ادب الروائي ماركيز وهو الذي كان دائما يرفض ان تتحول رائعته الروائية '' مائة عام من العزلة '' الى الشاشة البيضاء لانه كان على اعتقاد لا يتزعزع بان هذه الرواية - على نحو خاص - سوف تنأى الكاميرا السينمائية على الغوص في اعماق شخصياتها الدفينة من ناحية وعدم الاحاطة بمجموع الاشارات والدلالات التي تتكيء على واقع صعب وقاس ان تجمله احداث فيلم في ساعتين او ثلاث .
وحتى هذه اللحظة يجهل كثير من النقاد الدوافع التي قادت مايك نيوويل الى تحويل رواية '' الحب في زمن الكوليرا '' والتي عجز وهو المخرج المخضرم عن معاينة اجوائها الحقيقية وحالت تقنياته السينمائية التي لا تفتقد الجرأة في ان يصل بها الى ادنى حدود النجاح أو يحاكي تلك الاجواء الشاعرية التي برع في تقديمها قلم الروائي العالمي الشهير صاحب اكثر من تحفة تحمل في طياتها الالق والرؤية البصرية الجذابة: '' مائة عام من العزلة '' و'' ليس لدى الكولونيل من يكاتبه'' و '' قصة موت معلن '' وسواها..
بؤس المحاولة او التجربة التي قادت نوويل لان يقتحم باستسهال الجاذبية السينمائية لفضاء ماركيز المفتوح على تحولات مجتمعه العاطفية المجبولة بالمحطات الانسانية على خلفية من الاحداث السياسية التي تحفل فيها رواية '' الحب في زمن الكوليرا '' .. سوف تؤدي الى التفكير المسبق والمتاني ريثما يجيء عمل اخر من ابداعات ماركيز على هيئة فيلم سينمائي روائي اخر .
فمن الواضح ان رغبة المخرج نوويل كانت دائما سطحية في رؤيته للرواية التي تجاسر على افلمتها منجرفا اليها بحكم حبكتها الروائية التي تتناول مسالة الحب الطاغي الذي يجمع بين قلبين بعد طول غياب وافتراق تحت وطاة الاحداث الجسام التي تعايشت فيها شخوص الرواية.
بغض النظر عن الانجراحية التي ترتسم على دواخليات ابطال القصة وعامل الزمن والشيخوخة التي تقود اصحابها الى مصائر غير محسومة بفعل عوامل الفقد والاغتراب والانحياز الى فضيلة التسامح وتبرئة الذات من ماضي لا زالت فصوله تلتصق بذاكرة اللحظة التي علقوا فيها بتداعيات رحلة حب قاسية مليئة بتمزقات وانكسارات الروح .